حبنا وتقديرنا لأرامكو يتطلب منا أن نكون صادقين في إبداء مشاعرنا نحوها بإخلاص فلا نخدعها ونخادع أنفسنا فنبالغ في قدراتها ونقول كما يقول بعض كتابنا كلما تعثرت مشاريعنا أعطوها لأرامكو وكأن أرامكو ليس لديها من الأعمال التي يجب أن تتفرغ لها أهم كثيراً من أن نشتت جهودها بتكليفها القيام بأعمال روتينية لا تتطلب غير التمويل الكافي والكفاءة والإخلاص في العمل. النجاح النسبي للمشاريع التي تقوم بها أرامكو ليس لأن أرامكو لديها مصباح علاء الدين لتحقيق ما يعجز عن تحقيقه الآخرون بل يرجع لعاملين: العامل الأول: لعدم وجود الفساد المالي في المشاريع التي تتولاها أرامكو فالمتعاقدون معها يعرفون مقدما أنهم لن يدفعوا مبالغ مالية (البعض يسميها جبر الخواطر) لترسية المشاريع عليهم ثم لتسيير أعمالهم كما يحدث لهم عندما يتعاقدون مع الجهات الحكومية الأخرى فيحاولون استرجاع هذه المبالغ بفوائدها على حساب الجودة والغش وتعثر المشاريع دون خوف من العواقب لأنهم في النهاية يستطيعون أن يمرروا الغشش بتطييب (جبر) خواطر المهندسين الذين سيوقعون على استلامهم للمشاريع. العامل الثاني: أرامكو تموّل مشاريعها من إيرادات البترول مباشرة فهي ليست مقيّدة بالمبالغ المعتمدة مسبقا في الميزانية وبالتالي ليست مضطرة لترسية مشاريعها على الأقل تكلفة بل وفقا للمواصفات والتكاليف التي وضعتها وقدّرتها جهات هندسية حيادية لا يطالها مقص مهندسي وزارة المالية. العلاج لمشاريعنا المتعثّرة ليس سحبها من جهاتها المعتمدة لها وتكليف أرامكو للقيام بها بل إصلاح أسباب التعثر وهي محصورة في نقص الكفاءات والفساد وعدم الرقابة. يجب أن نعترف بأنه رغم أن أرامكو تعد أكبر شركة بترول في العالم من حيث ضخامة احتياطياتها إلا أن خبرتها في التنقيب والإنتاج تقتصر على الأراضي داخل المملكة التي تتميز بكبر حقولها وسهولة استخراج بترولها بينما يوجد شركات بترول أصغر من أرامكو في احتياطياتها ولكن لها خبرة أكثر من خبرة أرامكو في التنقيب والإنتاج في المياه العميقة وغير التقليدي. في الآونة الأخيرة شعرت أرامكو بأن إنتاج بترولها السهل سيبدأ في الانخفاض وللمحافظة على طاقتها الإنتاجية عند مستوى 12 مليون برميل في اليوم (كما كانت عليه منذ الثمانينيات) بدأت في تطوير حقول جديدة أكثر صعوبة كمنيفة لتعويض الانخفاض الطبيعي (وليس لزيادة الطاقة الإجمالية) في إنتاج حقولها القديمة. كذلك أحيت أرامكو عملية استكشافها لشمال غرب المملكة والبحر الأحمر وهذا يتطلب أن يكون لديها الخبرة والقدرة للتعامل مع بترول المياه العميقة وغير التقليدي. البعض يعرف انه عندما تم إنشاء جامعة البترول بالقرب من حقول البترول كان الغرض من إنشائها هو تخريج مهندسين للبترول على مستوى عالمي متميز للعمل في أرامكو لتكون رائدة تستعين بها الشركات الأخرى فلا يأتي يوم تحتاج فيه أرامكو للاستعانة بالأخرين. ولذا فإن الأجدر بدلاً من إشغال أرامكو وتشتيت جهودها بتكليفها بأعمال روتينية، إفساح المجال لها (بل حثها على) أن تتوسع وتصبح شركة بترول عالمية بالخروج إلى مناطق خارج حدود المملكة لتكتسب خبرة تؤهلها للتنقيب وإنتاج البترول الصعب والمياه العميقة وغير التقليدي حتى لا تضطر للاستعانة بشركات أجنبية أصغر منها ولكنها أكثر منها خبرة في هذه المجالات. استقطاب الشباب السعودي للعمل في مجال صناعة البترول في جميع مراحلها والزّج بهم في أصقاع الأرض لاكتساب المهارات والخبرة ضرورة لها الأولوية القصوى يجب أن لا نضحي بها بإلهاء أرامكو العملاقة بثانويات يمكن أن يؤديها مقاول صغير إذا صلحت النيّة. موضوع زاوية الأحد القادم -إن شاء الله- بعنوان: "اقتصاديات الرسوم على الأراضي البيضاء".