التقيت سعد الحميدين في البحرين في ربيع عام 2000، وعلى إثر ذلك تلقّيت دعوة منه للكتابة في الملحق الثقافي ل "الرياض"، وظل اتصالنا قائماً مع أننا لم نلتق بعد ذلك على الرغم من تعدد زياراتي للعاصمة الرياض، لكننا تبادلنا الأفكار والآراء عبر الاتصالات التي نابت عن اللقاءات المباشرة، وبدفع حريص منه واصلت حضوري في الجريدة طوال عقد ونصف، اعتقاداً مني أنها تمثل واحة للرأي الأدبي الذي يوافق تحليلاتي النقدية، واستجابة لدعوة يتعذّر ردّها من شخص له مكانة كبيرة في نفسي. وخلال ذلك تابعت الحميدين شاعراً، وكاتباً للمقالة الأدبية، ومشرفاً على الملحق الأسبوعي، ومديراً لتحرير كتاب "الرياض"، وهو كتاب شهري أثرى المكتبة العربية بكتب غطّت معظم مجالات المعرفة الحديثة، وبكل ذلك لا يكاد الحميدين يغيب عني كل أسبوع، فأنا متابع لما يكتب هنا أو هناك. لمست هدوءاً وتبصّراً وروّية فيما يكتبه الحميدين، فلا يقف إلا على الأحداث التي لها صلة مباشرة بشأن ثقافي مهم، وتكشف مقالاته في "الرياض" شغفاً خاصاً بالموضوع الثقافي من فكر ونقد وترجمة ورأي، أما موقعه في خريطة الشعر السعودي الحديث، فلست مؤهلاً لإبداء رأي مفصّل فيه بسبب انصرافي إلى السرد، لكن دوواينه الشعرية رسمت خطوة من خطوات التجديد في الشعر العربي الحديث في شبه الجزيرة العربية، فلا يمكن تخطّي تجربته الشعرية. وقد أجمع نقاد الشعر على تقدير أهميته شاعراً، وهو كذلك، ولا غرابة أن تستأثر دواوينه باهتمام نخبة منهم توقّفوا بالتفصيل عليها، وألهمتهم أفكاراً نقدية جريئة. وعلى الرغم من شهرته شاعراً مقترناً بنزعة التجديد الشعري طوال أربعين عاماً فإنني عرفته نشيطاً بارعاً للثقافة العربية التي فتح لها أبواب "الرياض" فاستقطب بذلك جماعة مميزة من المفكرين والنقاد الذين أتابعهم كل أسبوع، وما وجدت الحميدين يوماً يحجر علي رأياً أو يهمل أمراً، إنما هو حريض على وجود الجميع معه في صفحات مملوءة بالأفكار الجديدة والجريئة.