ربما أتقبل نقداً أو ملاحظة أو توجيهاً حول الأسلوب وطريقة الإفصاح في تشخيص حال الوطن العربي وما قطعه ووصل إليه باتجاه الموت والانقراض، كما حصل في حلقة الأسبوع الفائت، غير أن الذي لا يمكن قبوله بأي حال هو أن ندفن رأس الوعي والفهم والبصيرة في رمل التجاهل والمكابرة والبلادة وانعدام المبالاة، وربما وصل الأمر لدى بعضنا إلى الرضى بأي تحول واحتمال! . الإشكالية الحقيقية أن الواقع ليس لديه إمكانية للتسويف ولا للتفسير ولا للانتظار. الواقع الحاصل المعاش ناصع كما فلق الصبح وكما الشمس في رابعة النهار، ولا يحتاج إلى دليل لطمأنة الأذهان، ومع ذلك نحظى بكوارث وقوارع تدمر ما تبقى من صفاقة السكونية الضاربة بأطنابها في تكويننا، غير أننا نتجاهل الكوارث والقوارع ونبقي على سكونيتنا القاتلة ولا نقبل بأي نفحة وعي ترشدنا إلى سواحل النجاة، وأقرب مثال من تلك القوارع والكوارث ما حدث من العدوان الهمجي العنصري الاستعماري من قبل العصابات الصهيونية المحتلة على أرضنا العربية فلسطين وعلى مدينة غزة تحديداً، أرأيتم كيف وقفنا نحن العرب نتأمل فقرات القتل والتخريب والدمار ولا نفعل شيئاً وكأن غزة ، وكأن فلسطين لا تمت إلينا بأي صلة؟!. بصدق وواقعية، لم يشطح بي الخيال إلى تصور أن تموت الحدود بين أجزاء وطننا العربي الممزق، ولا إلى المناداة بتكوين جيش عربي واحد يصد الاعتداء ويحمي الحمى، وينتقم من المحتل، لأني أدرك أن ذلك مما قبل المستحيل ومما بعد المتعذر على إرادتنا التي فقدت المبادرة والإمكان، لكنني أتطلع في سياق السكونية والانقراض -- على الأقل -- إلى أن يتحد الموقف السياسي والصوت الإعلامي، وأن تختفي أصوات الخيانة والخذلان وممالأة العدوان. سيقول قطيع السكونية والتخاذل والاستسلام: إن ما سبق هو نوع من معالجة الأمور بمداخلات المثالية ومفارقات الفنتازيا، سيقولون وسيبدئون ويعيدون وما علموا ولا أدركوا أنهم ينتظرون لحظات الموت ومواعيد الفناء على يد العدو الواضح والخفي. المشكلة الأزلية أننا أمسينا في خضم الاستسلام والتخاذل وموت الكرامة والإباء نبحث عن صوت العقل والوعي فلا نجده، وهذا يعني أنه قبل الزوال والانقراض المادي هناك كذلك مسح للثقافة والهوية والحضارة، وهذا المسح سيحولنا إلى مسخ لنستحق بعده أن ندفن في (............) التاريخ. إننا نتساءل بحرقة وألم وشجب استثنائي: ما الذي أنجزته جامعة الدول العربية عبر عقودها الماضية وفي حاضرها، وما الذي قامت به؟ وما الذي كونته وأوجدته لدينا من وعي وموقف؟ وأين صوتها وحضورها عندما تتجلى الكوارث والقوارع وزلازل الوجود الإنساني للعرب؟ أين كل ذلك وسواه ونحن نعرف منذ عقود متوالية، وندرك أن فكرة الجامعة أصلاً تتمثل في لم شمل الشتات العربي وتحقيق الإجماع السياسي والإعلامي، وإغاثة أي جزء من الوطن يتعرض للاعتداء والظلم والجور والقتل والدمار كما هو واقع وحاصل في أرضنا العربية فلسطين؟ أقر وأعترف بأني وأنا المواطن العربي لا أمتلك أي إجابة عن كل ما سبق! ، الذي أمتلكه وأؤمن به هو مضمون خلاصة نزلت من السماء ذات وحي: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.) وكفى.