كيف بدت مفاعيل الأزمة السورية اقتصادياً؟ ما هي تجلياتها على الاقتصاد الكلي، وعلى قطاعات الطاقة والصناعة والزراعة؟ وكيف بات المجتمع السوري يدفع ثمن هذه الأزمة من قوته وحياته اليومية؟ أولاً: التداعيات الكلية للأزمة في تقرير خاص أصدره، قال صندوق النقد الدولي إن الناتج المحلي الإجمالي لسورية قد انكمش بأكثر من 40% منذ بدء الأزمة في البلاد في آذار/ مارس 2011. وخلقت الأزمة ضغوطاً كبيرة على الوضع النقدي والمالي، وتضررت بسببها أهم مصادر الدخل الوطني، ممثلة بالنفط والسياحة والصادرات الصناعية والزراعية. ووفقاً للبيانات الرسمية، فقد بلغت خسائر الاقتصاد السوري 103 مليارات دولار حتى حزيران/ يونيو من العام 2013، كما وصلت ديون البلاد إلى نحو 34 مليار دولار. وقدرت خسائر العام 2011 بحوالي 12.5 مليار دولار، ثم حوالي 50 مليار دولار عام 2012، وأكثر من 23 مليار دولار في الربع الأول من عام 2013، وأكثر من 17 مليار دولار في الربع الثاني منه. وتفيد البيانات الرسمية بأن حجم التجارة الخارجية السورية قد تراجع بحدة بين الربع الأول من العام 2011 والربع الأول من عام 2013. وقالت دراسة لهيئة تنمية وترويج الصادرات، نشرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، إن قيمة الصادرات الإجمالية (النفطية والسلعية) قد تراجعت من 1901 مليون دولار في الربع الأول من عام 2011 إلى 94.7 مليون دولار في الربع الأول من عام 2013، أي بنسبة 95%. كما تراجعت الواردات السورية في الفترة ذاتها من نحو 4115 مليون دولار إلى نحو 818 مليون دولار، أي بنسبة 88%. وفي مشهد مقابل، وافق اتحاد نقاط التجارة العالمي، في 23 تموز / يوليو 2014، على إعادة افتتاح نقطة التجارة الدولية السورية بعد عامين من الإغلاق الناجم عن العقوبات الاقتصادية. وكانت سورية قد قبلت في أيار/ مايو 2010 كعضو مراقب لدى منظمة التجارة العالمية. ومنذ ثلاث سنوات، بدت الأزمة السورية بمثابة عامل ضغط كبير على التجارة الإقليمية، وذلك لسببين رئيسيين هما: التوقف شبه التام للصادرات الزراعية والغذائية من سوريا، وتضرر حركة النقل الإقليمي البري، التي تعد المنافد السورية ممراً تقليدياً له. لقد تضررت بشدة حركة التجارة بين تركيا (واستتباعاً بعض الشرق الأوروبي) وبين الدول العربية. وفرض ارتفاع تكاليف النقل، نتيجة إغلاق المنافد السورية، ضغوطاً كبيرة على فاتورة الغذاء، وباتت بعض السلع الغذائية تباع في دول المنطقة بأكثر من ضعف سعرها، الذي كانت عليه قبل ثلاثة أعوام. كذلك، كان التجار الأتراك يملكون العديد من المصانع المسجلة في حلب، وكانوا يستفيدون جراء ذلك من الإعفاءات والتخفيضات الجمركية على دخول بضائعهم إلى الأقطار العربية المختلفة. وكانت قدراتهم التنافسية نتيجة لذلك عالية جداً. وكما تركيا، كذلك لبنان وقع هو الآخر فريسة الأزمة السورية، وبات مخيراً بين ترك سلعه الغذائية في مخازنها، أو مواقع إنتاجها، وبين دفع تكاليف شحن بحري وبري مزدوج، بنقلها إلى ميناء العقبة الأردني، وإعادة شحنها براً من هناك. وأمام ضعف القدرة التنافسية التقليدية، نتيجة لارتفاع تكاليف الإنتاج، كانت النتيجة أن ترك المزارعون اللبنانيون حصادهم يكسد في مواقع إنتاجه، حيث لا مجال لاستيعابه محلياً. وهنا، تضاعفت أزماتهم، وازدادوا غرقاً في ديون لا أفق للخلاص منها. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن تأثير الأزمة السورية على المالية العامة للبنان تجاوز ملياري دولار في فترة 2012-2014. ويتوقع أن ترتفع نسبة البطالة في لبنان بمقدار الضعف لتتجاوز 20% هذا العام. كذلك، أدت الأزمة السورية إلى تخفيض واردات العراق، سواء من سورية أو عن طريقها، حتى شارفت على التوقف، بعد أن كانت تتراوح بين 15 و20% من مجموع الواردات قبل بدء الأزمة. كما تأثرت الإمدادات الغذائية بهذه التطورات، ما ساهم في زيادة تضخم أسعار المواد الغذائية. ثانياً: تأثير الأزمة على الطاقة والتصنيع من ناحيته، بدا القطاع النفطي هو الآخر في مقدمة ضحايا الحرب الدائرة في سورية، حيث فقدت الحكومة السيطرة على أهم حقول النفط، التي تتركز تقليدياً في شمال شرق البلاد. وقد بلغ إجمالي النفط المنتج في سورية خلال النصف الأول من هذا العام 3.164 ملايين برميل، بمعدل وسطي قدره 17 ألف برميل يومياً، وانخفاض يُقدر ب 11 ألف برميل يومياً عن وسطي إنتاج النصف الأول من عام 2013، علما بأن مستوى الإنتاج كان 385 ألف برميل يومياً حتى آذار/ مارس 2011. كذلك، تراجع إنتاج الغاز السوري إلى نصف معدلاته تقريباً. وبلغ إجمالي الغاز المنتج خلال النصف الأول من العام الجاري 2,961 مليار متر مكعب، بمعدل 16.36 مليون متر مكعب يومياً. وعلى صعيد التكرير، بلغت كمية الخام المكرر في مصفاتي حمص وبانياس 3,111 ملايين طن، بينما بلغت المشتقات المنتجة ثلاثة ملايين طن، ومبيعات المصافي لنفس الفترة 3,243 ملايين طن. وتشير البيانات الرسمية إلى أن قيمة الأضرار التي تكبدها قطاع النفط والغاز قد وصلت إلى نحو 21.4 مليار دولار، حتى مطلع تموز/ يوليو 2014. وبلغت قيمة خسائر قطاع النفط المباشرة منذ بدء الأزمة 570 مليار ليرة سورية (3.5 مليارات دولار)، بالإضافة إلى 2.954 تريليون ليرة سورية (17.9 مليار دولار) خسائر غير مباشرة". وتتعلق الخسائر المباشرة بكميات النفط والغاز المهدور والمسروق، والبنى التحتية، والمنشآت وخطوط النقل، والآليات التي تعرضت للنهب والتخريب. وغير مفصول عن أزمة النفط والغاز، بدا قطاع الكهرباء وقد تكبد خسائر كبيرة جراء الأوضاع السائدة في البلاد، وبات التقنين ظاهرة جديدة فرضت نفسها على نحو غير مسبوق بالنسبة لكثير من السوريين. لقد تعرضت الكثير من مولدات الطاقة الكهربائية إلى التخريب، وسرقت الكثير من أسلاك الخدمة، وجرى تقطيعها وبيعها. والأهم من ذلك، هو أزمة الوقود اللازم لتشغيل المحطات، وكذلك أزمة السدود المولدة للطاقة، التي بات بعضها شبه متوقف عن العمل. وإضافة إلى ذلك، هناك الأعطال الفنية الطارئة التي تتعرض لها المنظومة الكهربائية نتيجة التحميل القسري على الشبكة، بعد أن توقفت مجموعات التوليد في مناطق مختلفة، وخاصة في المنطقة الجنوبية. ورغم ما سبق ذكره، هناك من يرى أن واقع البنى التحتية لقطاع الكهرباء لايزال جيداً في المجمل، ويبقى التحدي الأهم هو تأمين الوقود لمحطات التوليد المتوقفة نتيجة استهدف خط الغاز العربي.