حروب الأنفاق قديمة لكنها لا تزال حية كوسيلة خداع العدو للوصول إلى المواقع الحساسة، ولعل أشهر من استخدم هذه الحيل وهزم بها الجيش الأمريكي الحديث والهائل، هو القائد الاستراتيجي الكبير لجيش الشعب الفيتنامي الجنرال «جياب» وهو الذي هزم فرنسا قبل أمريكا في الموقعة الشهيرة «ديان بيان فو» والتي استنسخها ثوار المستعمرات الفرنسية وأهمها دول المغرب العربي، وأشرسها حرب التحرير الجزائرية التي انتهت بصفقة الجلاء والاستقلال.. الغريب أن عودة حرب الخنادق ظهرت حديثاً في غزة واعتبرت مشابهة لخنادق «كوتشي» الفيتنامية من قبل قيادات عسكرية إسرائيلية، وهناك من اعتبرها المخابئ الخطيرة لحرب طويلة قد تكلف إسرائيل خسائر هائلة رغم التدمير لكل البنية الأساسية لغزة، وأنها البديل الآخر عن جدار الفصل العنصري مع الضفة الغربية، لكن ماذا عن النفق الواصل لقصر الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والذي قيل إنه حفر من قبل مناوئين له غايتهم اغتياله، وأنفاق أخرى بين حدود الجزائر وتونس قامت بها عناصر للجماعات السلفية لتهريب السلاح والأفراد، وكذلك في حلب لاستخدامها لذات الأغراض؟ نعرف أن هذه الممرات السري منها والعلني استُغلت في سرقات لبنوك ومؤسسات وشركات كبرى، وخرجت أفلام حولها وكيف استطاع اللصوص الوصول إلى خزانات معززة بأجهزة حراسات وآلات تصوير ومع ذلك هاجمها اللصوص بما يشبه العمليات الخيالية.. لقد اشتكت مصر من هذا المشكل في سيناء وخاصة المجاورة لغزة من الممرات السرية التي سهلت تهريب السلاح وغيره، ومع الفوضى الراهنة في مناطق عربية هل تدخل هذه الاستراتيجيات لتكون الوسيلة الجديدة لحروب طويلة ليس فقط مع الإرهابيين ولكن مع مهربي الأسلحة والمخدرات والهجرات غير القانونية، وأن فكرة الخنادق المتعرجة التي قلدها الإنسان من بعض القوارض وعائلاتها المتعددة، ستكون هي الخطر القادم الذي يهدد البلدان العربية التي يسودها عدم الاستقرار، وخاصة صاحبة المساحات الهائلة المهجورة والصعبة حراستها أو مراقبة ما يدور عليها على الحدود؟ في سيئول بكوريا الجنوبية، وبدواعي الخوف من حرب مع الشمال تستخدم فيها الأسلحة غير التقليدية، توجد مدينة تحت الأرض كاملة التجهيزات، وتستخدم حالياً مدينة تجارية وسياحية، وهناك دول أخرى أخذت بهذا الاتجاه كملاجئ لأي حالات طوارئ بما فيها إسرائيل التي تخشى أي حرب قادمة بأسلحة كيماوية أو نووية، غير أن هناك أمراً في غاية الأهمية، وهو وجود أسلحة مدمرة تستطيع أن تصل إلى أعماق كبيرة بما فيها الملاجئ والمفاعلات النووية ومخابئ الأسلحة وهو ما يجعل تلك التحصينات غير آمنة، وهو ما هددت به كل من أمريكا وإسرائيل بتدمير المواقع المحصنة تحت الأرض مهما كان عمقها لإيران أسوة بمفاعل تموز العراق.. السلام وحده هو المؤهل للاستقرار، ووحده القادر على تأمين الحياة من الحروب وأعمال العصابات والإرهابيين، ولكن في منطقتنا أصبحت الوسائل التي تستحدث كل يوم مصادر الخطر لأجيال قادمة ما لم تحل معجزة تنهي حالات الانفصام السياسي وما يتبعه من عنف..