عبارة جميلة قرأتها تقول "السلام ليس غياب الحرب، ولكن حضور العدالة" بمعنى أن السلام لا يتحقق إلا عندما تتوفر العدالة، وبمجرد تحققها يأتي السلام والوئام من دون أي جهد وعناء، وهي حقيقة يمكن أن نحتكم إليها في كل النزاعات بين البشر، على مستوى الأفراد والجماعات والدول. السلام وعملية السلام كلمات نسمعها من سنين، ولكننا لم نرها أبدا تتمثل على أرض الواقع، مللنا تردادها لأنها فقدت معناها، فالسلام لا يأتي بلا تبعات، وبلا جهود وعدل واعتراف بحقوق الآخر وتراجع عن التمسك بحقوق كاذبة وافتراءات. معروف للكل أن مفاوضات السلام مع إسرائيل منذ أن بدأت لم تجلب للفلسطينيين والعرب أي سلام، ولم تحقق لهم أي هدف، بل بالعكس جعلت إسرائيل دولة محتلة شرعية معترفا بها دون أي مسؤوليات وأعباء أو خسائر، ومع كل هذه المكاسب نجدها تتباكى وتسارع إلى رفع الشكاوى عند أي حدث، وتلعب بدهاء دور الضحية، وتشوه النضال الفلسطيني وتصوره إرهابا. ومع كل المجازر والانتهاكات التي ارتكبتها وبسبب التقاعس والعجز العربي، ودعم أصدقائها من دول الغرب نجت إسرائيل من الملاحقات الجنائية وتقديم مجرميها للمحاكم! كيف يمكن أن يتحقق سلام مع دولة لم تحاسب على أي من جرائمها على مدى عقود؟ كيف يمكن أن نجد سلاما مع دولة غير مؤمنة بالسلام؟ وأذكّر هنا بأن مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبت بعد اتفاقية السلام بأقل من عام، وتبرير إسرائيل لها بأنها عمل فردي، واحتفاءها ضمنا بمرتكبها أكد منذ البداية كذبها وعدم جديتها في السلام. الحديث عن السلام أو البحث عن حلول سياسية دون تحمل المسؤوليات الجنائية، وتحقيق العدالة لا يحقق السلام الحقيقي، وإنما هي مجرد اتفاقات هشة سرعان ما تنهار عند أي حادث أو صدام، وهذا ما أثبتته التجارب، وحسب توضيح متخصص في قوانين حقوق الإنسان الدولية فإن هناك تعارضا أصلا بين العدالة وبين الحل السياسي، لأن العدالة تتطلب شفافية وتحقيقات وحقائق وتحمل مسؤولية، بينما الحل السياسي يقوم على المساومة والتنازلات التي لاتحقق العدل ولا الكرامة ولا التوازن، وبالتالي فإن استمرار القبول بالتسويات والوعود المؤجلة على اعتبار أنها خطوات لتحقيق الأهداف يعد تفريطا في الحقوق، وطالما أن إسرائيل مستمرة في الضغط باتجاه فرض التنازلات مقابل الانصياع لها وتصديق أكذوبة السلام، فإن النتيجة ستكون المزيد من الانحدار والخسارة على المستوى الفلسطيني والعربي. ليس منطقياً تلميح البعض بإسقاط خيار المقاومة والتركيز على المفاوضات ضد دولة ماضية في التوسع، ولا الانجرار وراء وهم السلام أو ترك الفلسطينيين يواجهون مصيرهم منفردين بحجة أنهم أصحاب الشأن وأننا قدمنا ما علينا، وعليهم أن يتحملوا نتائج خياراتهم وقراراتهم وأخطائهم لأن القضية الفلسطينية كانت وستبقى قضية العرب والمسلمين الأولى.