مع تتابع الليالي الرمضانية المدجّنة بالدراما تعالت أصوات قديمة تنادي بوقف هذه الصور الانتقائية لمجتمعاتنا العربية التي يقدّمها الفن تحت باب الخوض في المسكوت عنه.. لاسيما في مصر التي استأثرت دائما بالنشاط الدرامي المكثف على مستوى التلفزيون والسينما معا.. فتزايدت الاحتجاجات لفئات كثيرة من المجتمع تم تناولهم في عدد من المسلسلات التلفزيونية المصرية مثل (سجن النساء) واحتجاج السجّانات على الصورة التي تم تقديم بيئتهنّ وسلوكياتهنّ بها من خلال المسلسل، أو حتى الصوفيين في مصر وموقفهم من مسلسل (السبع وصايا) أو مسلسل (تفاحة آدم) وهو موقف يتكرّر منذ الثمانينات من القرن الماضي في محاولات يائسة لجرّ الكتابة الروائية الدرامية إلى التوظيف الإعلامي وتقديم صورة مثالية منتقاة لمجتمعٍ يحتاج إلى مواجهة مشاكله بعيدًا عن المواربة والمداهنة.. وكنت قد أشرتُ في مقالة سابقة إلى قدرة الأعمال على استثمار كل هذه الأحداث التي تمر بها المجتمعات العربية، وتقديمها لنا برؤية مختلفة تتكئ على الفن بوصفه كشفا للمسكوت عنه دون تحديد موقفه منه، وهي في آخر الأمر حقيقة مسيرة مفترضة لهذه الأعمال التي تخلّصت من المباشرة أو الموعظة أو حتى تقديم وجهٍ ناصع مزوّر لمجتمع يعاني من الفوضى الاجتماعية خلال السنوات القليلة الماضية جرّاء تعاقب الثورات والاحتجاجات وما يصاحبها من فوضى على مستوى الأمن والأخلاقيات وتوفر أرض خصبة للانتهازيين وتجّار الحياة، وبالنظر إلى تلك الأعمال الدرامية التي تم تجسيدها بصورة بدت مستفزّة لعدد من شرائح المجتمع الذين تماسَّت معهم الأعمال وخاضت في المسكوت عنه فيهم، سنجد أن كل هذا بعيدا عن المحاكمات الأخلاقية حين يدور في فلك درامي فني صرف عماده التخييل مهما كانت مصادر الخيال وموقفها من الواقع، وهو كما أرى يختلف بشكل عام عن منهج التقليد الذي تقدمه لنا بعض البرامج الدرامية الأخرى فالتقليد توظيفٌ لئيم لشخصية معينة ذات حضور اعتباري غالبا على مستوى الفن أو الإعلام أو الرياضة أو حتى الدعوة يتم استدعاؤها وتوظيفها وتجسيدها لتقول ما يريد الراوي حد التشويه في كثيرٍ من الأحيان.. ولا يمكننا في أي حال من الأحوال أن نسقط عنها الأحكام الأخلاقية بحجة الفن.. لأن الحبكة تقوم في الأساس على اغتصاب الموقف وتوجيهه في التقليد.. في حين تقدم الأعمال الأخرى سيرة افتراضية مهما صادَقها الواقع أو كذَبها تظل ضمن السياق العام للفن، ومهما كان الأمر فالواضح أن الكتابة الروائية بشكلها الدرامي سبقت الفنون الأخرى وقدّمت لنا التاريخ الحديث بتأثيرٍ كبير استدعى كل هذا الضجيج..