تعد السيرة الذاتية للكاتب أو المبدع جزءا هاما من تاريخه الابداعي ورغم امكانية الكتابة عنها بتصرف إلا انها كما يرى البعض يجب أن تكون صادقة خاصة اذا كانت مباشرة أو تقريرية تتصدر عملا ابداعيا أو تقدم في ملتقى او مؤتمر أو غيرها وحتى عندما تؤول لتكون عملا ابداعيا ، من هذا المنطلق ومن واقع مانراه من تجميل أو تزييف البعض لسيرهم الذاتية كان لنا تلك الوقفة مع بعض الشعراء والروائيين والكتاب حول هذا الموضوع . لا يحتمل الكذب في البداية تحدث الروائي خالد الخضري قائلا : مشكلة الابداع عموما أنه لا يحتمل الكذب، لأنه كشف لخفايا يمكن أن يكون من المسكوت عنها أي لا يحتمل التصريح بها، ربما خجلا أو لعدم مقدرة على الاعتراف ومواجهة الواقع، العمل الابداعي يأتي ليعري تلك الخفايا ويقدمها كما هي دون أي تزييف، واذا جاز لنا أن نستخدم رؤية التشكيلي العالمي فان جوخ للعمل الابداعي باعتباره فنا، يشترك في تقديمه العقل والوجدان واليد كأداة للكتابة أو أي فن آخر وهو ما يجعله مختلفا عن الأعمال العقلية البحتة مثل البحوث والدراسات والمقالات الفكرية، فهذا لا يصوغ للمبدع أن يكذب -كما أشرت في محورك- فليس بامكانه أن يكذب أو يتجمل لأن الحالة الابداعية الصادقة لا تسمح بمثل هذا السلوك الذي نعانيه بكثرة في مجتمعاتنا العربية. المبدع يتعرى تماما عندما يكتب، ولا يكون في ذهنه أي رقابة ذاتية كانت أو خارجية، وأنا أقصد بذلك المبدع الصادق الذي لم يتلوث بما حوله من تزييف ونفاق اجتماعي وازدواجية شخصية . هو يقدم ابداعه من داخله، بكل شفافية وبكل صدق، ويتدخل العقل فقط في صياغة تلك المادة بالشكل الذي يتناسب مع نمط الكتابة الحديثة، وهذا ما يجعل الفن الجاد لا يحتمل التزييف أو المواربة أو النكوص. ووجهة نظري يجب أن يتخلى المبدع الحقيقي عن العلاقات الزائفة التي تدفع به لأن يكون مداهنا أو منافقا، فإذا اتصف بهذه الصفات فإن عمله الإبداعي سيسقط أو بالاحرى لن يستطيع أن يقدم عملا خلاقا يلفت الانظار ويساهم في تفعيل الحراك الابداعي والثقافي. والحال ينطبق على السير الذاتية أو غيرها من الأعمال الابداعية. الكذب لا مبررات له ، وليس من حق أي إنسان تسويغ مبررات للكذب على الآخرين ، فما بالك بالأديب والكاتب الذي يمثل الصدق أداته للوصول إلى الناس ، فإذا ما افتقد هذه الأداة افتقد وجوده ككاتب وأديب. تسويغ مبررات سهيلة زين العابدين: الكذب لا مبررات له ، وليس من حق أي إنسان تسويغ مبررات للكذب على الآخرين ، فما بالك بالأديب والكاتب الذي يمثل الصدق أداته للوصول إلى الناس ، فإذا ما افتقد هذه الأداة افتقد وجوده ككاتب وأديب. مرض خطير من جانبه يقول القاص عبدالله الشايب: الكذب شيء ممقوت، والمثقف الكاتب انما هو من جنس البشر فالتزامه برسالته يقينا لا يمنحه الكذب ألبتة أثناء الأداء ، فإذا ما تعلق بسيرته يكون ذلك ادهى وأمر , مهما علا شأنا لامسوغ سواء الكذب بالإنكار أو الإضافة ، كما انه غير ملزم ان يذكر كل شيء في سيرته وهذا من حقه . التساؤل هل هناك داع للكذب ، الكذب مرض قد يقع فيه الكاتب مثل غيره فقط هو هنا بموجب تماسه مع القارئ يكون أكثر خطورة وأقرب إلى تجريحه , ذكر الحقيقة أوقع مهما كانت صادمة وعدم استجلاب اضافات أكثر خلودا ليكون الكاتب مؤثرا ..الخلاصة لا مبرر لكذب الكاتب في سيرته الكذب والرياء الشاعر صالح المحاميد: الكذب والرياء والاحتيال والتملق في السيرة الذاتية لأي كان وفي كل الأحوال مرفوض ومُحرم وممنوع قانونياً. وفيما يخص السيرة الذاتية وتقديم مبدع فإنه نوع من الفن الناجع لتوجيه الأنظار والتركيز على بعض معالمه ومحطاته لتقييم ذي استحقاق . دعاني صديق رسام منذ سنوات خلت لتدشين معرض له في باحة فندق غير مشهور في قرية نائية طالباً مني مداخلة مسك الختام. افتتح اللقاء مدير الفندق بكلمات موجزة، فتكلم الرسام متشكراً بكلمات وضيعة تتماشى مع مستوى لوحاته فتقدم ناقد فني يعتبر نفسه ذا قيمة وقال فيما قال:»امامنا لوحات عظيمة للفنان الكبير باولو والذي يمارس الرسم منذ أربعين سنة... واستمر في المدح المبتذل وصفق له الجمهور القليل اسقاطا للواجب. فدعيت للمداخلة وقلت :» تعرفت على باولو منذ سنوات قليلة ورغم أنه قد تجاوز عقده السادس فقد لاحظت انه مازال رضيعا في هذا الضرب. فباولو مهندس معماري يلاحق لقمة العيش بصعوبة ويجهد لإعالة من في عنقه ورغم هذا فإنه يختلس لحظات هدوء ليعكس بالألوان ما تلتقطه عيونه ويستشعر به ذهنه من جماليات الكون والإنسان. كرس باولو وقتا ذهنيا خلال حياته الطويلة ليس أكثر من سنتين فهو في بداية الطريق ومع هذا فإننا نتعاطى مع روح هائلة في الحساسية وقدرتها في تعيين نبض الأحاسيس المبهرة وتجسيدها كلوحات. فنحن أمام ذهنية وليد طازجة ونقية وننتظر منه تطوير تقنيته ولا يسعنا الا تقديره عاليا لإنجازاته والتي استغرقت ليس أكثر من سنتين» صفق الجمهور القليل طويلاّ واقتنوا لوحات باولو والذي بادرني السؤال همساً:» لماذا قدمتني كرضيع؟» فأجبته :» ان تمارس الرسم لأربعين ومازلت تعرض لوحاتك هنا فهذا شهادة لك بالفشل أما وصفك كمبتدئ فعند اكتمال تجربة اربعة عقود سنجدك تقدم لوحاتك في غاليري على المريخ»!. الكذب الجمالي الشاعر والناقد محمد الحرز: الكذب في اطار السيرة يفقد دلالته ومعناه ، إذا ما قيس بمفهومه الأخلاقي . لذلك الكذب بمفهومه الجمالي يختلف تماما عن مفهومه الأخلاقي. هذه حقيقة ينبغي اقرارها حين يتعلق الأمر بالأدب على وجه الخصوص . فما يخص كتابة السيرة للكاتب ، لا يمكن أن يضبط كتابة سيرته على معيار محدد وصارم بحيث يكتفي بالتسجيل الطوبوغرافي لحياته وكأنه مجرد آلة تسجيل ،لا روح فيها . إن إضفاء روح التجربة الشعورية من أحاسيس وخبرة جمالية وثقافية في الحياة على سرد التجربة الذاتية للكاتب ، هي بمعنى من المعاني ما يمكن أن نطلق عليه صفة الكذب الجمالي ، شريطة أن تكون هذه الصفة جزءا من السيرة سواء من ناحية التوظيف التقني أو الجمالي أو الأسلوبي. عدا ذلك تصبح حشوا ولغوا زائدا عن عمل السيرة ولا يخدمها من العمق. هذا في ظني المعيار وهو ليس الوحيد بالتأكيد . لكنه الأهم من منظور دراسات السيرة. كلمات وسكاكين من جانبه يقول الشاعر محمد الفوز: ان تكون عظيما لابد أن تجرحك الكلمات قبل السكاكين ، وهنا يكمن عذاب المُبدع الذي يرى من خلال ألق الصفحات أن واقعه ملطخ بالآه لذلك يؤسس له عالمه في زاوية نائية على هوامش الكتابة ، و فسحة الأمل هذه التي يفتحها على جدار الذكريات قد تكونُ فردوسه الحالم ويقينه الصامت ودستوره الأفلاطونيُّ لبناء مدينته الغافلة، ولاسيما الشعراء الذين تشغلهم التصورات عن الحياة والهذيان عن البحث في سبيل قضاء حاجاتهم كبشرٍ مهمومين بالواقع ، هذا ما يفسر تداعيات السير الذاتية والبطولات المفتعلة والغراميات التي لم يظفر بها قيس وليلى حتى أن مسألة الذات الغامضة قد لا تتشكل عبر السير الذاتية ومهما اعتبره البعض كذبا وتزويراً لحياةٍ لم تَكُن إلا أن الحداثة تتعاطى مع السيرة الذاتية كنص وقيمة سردية بعيداً عن واقعيتها أو تمثلاتها المباشرة. الكاتب الحقيقي ويعتقد الكاتب والروائي جاسم الجاسم: ان الكاتب الحقيقي الذي اصدر عدة كتب .لا يمكن ان يزور معلومات شخصية .لانه وصل لمستوى عالٍ من الوعي والنضوج وكذلك احترامه لنفسه وللجمهور من القراء والمتابعين لكل ما ينتجه ويصدره من انتاجات ادبية وفكرية، والكاتب يجب ان يكون في المقام الاول والاخير قدوة ويتحلى بالاخلاق والالتزام الادبي والا ستكون نهايته غير محمودة وخاصة بالنسبة للجماهير والنقاد.