برغم أن كثيرا من سكان العاصمة الفرنسية يهجرونها في نهاية شهر يوليو ويتركونها للسياح طوال شهر أغسطس، فإن أصحاب المكتبات الباريسية يكتفون عموما ببضعة أيام خلال هذا الشهرللإخلاد إلى الراحة ثم سرعان مايعودون إلى مكتباتهم لأن الباريسيين الذين لايذهبون إلى العطلة الصيفية وعددا من السياح من الذين يستطيعون مطالعة الكتب باللغة الفرنسية يقصدون المكتبات الباريسية خلال الفترة الممتدة من منتصف يوليو إلى منتصف أغسطس للاطلاع على بواكير موسم الخريف الإبداعي الروائي. والحقيقة أن موسم الخريف يعد أفضل المواسم الأدبية بالنسبة إلى أصحاب المكتبات الباريسية لأن غالبية الجوائز الأدبية الكبرى توزع في موسم الخريف ولأن هذا الموسم هو الأهم بالنسبة إلى غزارة الإنتاج والتوزيع والمبيعات. ويتضح من خلال المعلومات التي تسربت حتى الآن عن موسم الخريف الإبداعي الروائي الفرنسي هذا العام أن عدد رواياته التي تبدأ في الصدور انطلاقا من أغسطس الجاري إلى منتصف أكتوبر المقبل يبلغ 607 منها 203 لكتاب أجانب. وتجدر الملاحظة إلى أن موسم الخريف الأدبي الفرنسي الماضي كان قد ترجم أساسا عبر إصدار 555 رواية سحبت منها طوال الموسم مليون ومئة وخمسين ألف نسخة. ودرت هذه الأعمال على دور النشر والكتاب وكل الأطراف الأخرى المعنية بصناعات الكتاب 22 مليونا و3 مائة ألف يورو. أما عوالم روايات موسم الخريف الأدبي الفرنسي هذا العام، فهي تلك التي لديها علاقة بمشاكل المجتمعات الغربية اليوم ومنها التهميش، ويتجلى ذلك مثلا من خلال رواية "معركة خاسرة" والتي ستصدر عن دار "فلاماريون" ومؤلفها هو أوليفييه آدم الذي يبلغ الأربعين من العمر والذي يركز فيها على أوضاع كثير من الأشخاص الذين عضتهم الأزمة الاقتصادية بأنيابها وتركتهم يصارعون من أجل البقاء بمفردهم. والجديد في أسلوب الكتابة التي يعتمدها الروائي لجوؤه إلى عشرين راويا يسعى كل واحد منهم إلى التعليق على أوضاع الشخصية الأساس في العمل الروائي. من عوالم موسم الخريف الإبداعي الفرنسي الجديد أيضا، تلك التي تتصل بالصداقة كعامل مهم من العوامل القادرة على كسر العزلة وتشجيع المتشائمين والمحبطين والمترددين على التعلق بالحياة. وهذا ما نتلمسه -على سبيل المثال-من خلال رواية " بيترونيل " الصادرة عن دار "لوسوي" والتي وضعتها الكاتبة الفرنكفونية البلجيكية إيميلي نوتون. والملاحظ أن هذه الكاتبة تعد من أكثر كتاب اللغة الفرنسية غزارة. بل إن بعض النقاد يجد أن قلمها السيال يمكن أن يسمح لها بكتابة رواية كل شهر، ومن أهم العوالم التي استمد منها كتاب فرنسيون كثيرون شخوص أعمالهم تلك التي تتعلق بصخب الحياة حتى في الفترات الحالكة أحيانا كفترات النزوات القاتلة أو الكوارث الطبيعية والتي يتسبب فيها الإنسان. فهذه العوالم نجدها مثلا في رواية " فيفا " للكاتب الفرنسي باتريك دوفيل الذي يبلغ من العمر السادسة والخميسين . وقد استمد شخوصا كثيرة في أعماله الإبداعية السابقة من البلدان العربية والإفريقية وبلدان أمريكا اللاتينية التي زراها وأقام فيها. ويسعى الكاتب في عمله الجديد إلى اقتفاء أثر الحياة الصاخبة في أمريكا اللاتينية والتي كان شخصان يرغبان فيها برغم همومهما. إنهما ليون تروتسكي أحد زعماء الثورة البولشيفية والذي اغتيل في المكسيك عام 1940 والشاعر والكاتب الإنجليزي مالكولم لوري الذي ولد عام 1909 وتوفي عام 1957. ومن الكتاب الأجانب المعروفين اثنان ستصدر لهما روايتان خلال موسم الخريف الأدبي الفرنسي، هما الكندية مارغريت أتوود والياباني هاروكي موراكامي الذي يحاول -من خلال عمله الجديد الذي صدر باللغة اليابانية ويصدر في فرنسا باللغة الفرنسية -مساعدة اليابانيين على تجاوز انتكاسات الكوارث الطبيعية النفسية أوتلك تسبب فيها الإنسان خلال العقود الأخيرة ومنها كارثة "فوكوشيما"النووية التي حدثت عام 2011 والتي كان للطبيعة والإنسان دور كبير في حصولها. أميلي نوتون