كل عام وأنتم بألف خير، دعوة لأصحاب النفوس المؤمنة الرفيعة التي عرفت حكمة الصوم فعملت بها. وكل عام لبلدنا الأمن والاستقرار واستمرار الابتهال في صلواتنا إلى خالقنا عز وجل بأن يحفظها من كل مكروه وفتنة. وأن يسدد على الخير ولاة أمرنا. فأيام الشهر الفضيل ولياليه مرت بناء على عجل، وإن كانت هموم أشقائنا العرب وجروحهم تثقل الأرواح وتدمي القلوب خاصة المذابح الوحشية ضد أهلنا في غزة وهم يدفعون ثمن عبث حرب الخطاب في مقابل قنابل الإجرام. وفي كل جوانب تلك الفوضى التي عمت بعض دول عالمنا العربي نتلمس دعوات لجر الشباب والتغرير بهم في اتون حرب ظاهرها الجهاد وباطنها التخريب لمصلحة عدو. وفي ظل كل هذا يتحدث البعض عن كيفية إصلاح تلك النفوس المرتبكة التي تقافزت وطارت "في العجة" باسم الدين وهي لا تعرف أنها أصبحت تباع وتكون لها سماسرة جاهزة حتى للخطف إن لم ينفع التغرير. وفي المقابل هناك من يمد يده لهم في كل سفارة سعودية لمساعدة العائدين والنابذين لفكر التطرف والتكفير ومع هذا هناك من يبقى في رحلة المجهول. هذه الرحلة في نظر بعض المهتمين بعلم النفس هي مرحلة تشكل الشخصية المرتبكة، وقد تحرفها عن مسارها أو تخرج من عباءتها شخصيات متناقضة ومتصادمة. ولذا يروى عن أحد علماء النفس قوله "لو استطاع كل منا أن يرى نفسه كما يراه الآخرون لما تحدث إلى نفسه مرة أخرى". وهنا نحن نبحث عن تلك المرآة الاجتماعية، ولماذا غابت أو اندثرت في حياتنا العامة؟ بل ولماذا لا ننصب الكثير منها في أعلامنا ودوائر اتصالنا لكشف تلك الشخصيات المرتبكة، ولكل من يحاول تحميل المجموع وزر أعماله وتصرفاته الفردية. فعندما يؤذي الإنسان نفسه لم يعترض الناس عليه، بل قالوا له: "الحصى من الأرض والدم من رأسك". ولكن إذا كان الدم من رؤوس الجميع عندها سيصبح الحصى الذي في الأرض بأيدي أفراد المجتمع. معادلة صعبة ولكنها حقيقية يستقيم معها أمر الجماعة ومصلحتها. هذا المشهد الاستقطابي والتغريري هو توظيف علم النفس في الدراسة والتصنيف العملي لأنواع الشخصيات. فلكل شخصية مفتاح كما يقول العقاد ولهذه الشخصيات المرتبكة ربما أكثر من تصنيف ومفتاح، ربما غاب عنا لبعض الوقت ولكنه لن يغيب كل الوقت. ويساير تلك الفوضى في رسم شخصيات بعض شبابنا نتيجة التغرير بهم للمشاركة في عنف الخارج، يسايرها بروز شخصيات شبابية أخرى ومرتبكة ومتهورة أيضاً في شوارعنا. ولكن تلك الشخصيات لم تأخذ وقتاً حتى تدخل في عالم التصنيف النفسي والعلاجي. ومنها ما قامت به عدة جهات رياضية وخدمية يتقدمها نادي السيارات السعودي في تبني حملة "صلح نفسك". وهي حملة تعنى بالقيادة السليمة والآمنة للمشاة وقائد المركبة. والسبب أن طرقاتنا وشوارعنا أصبحت ساحة حرب تستقبل الضحايا يومياً أكثر من أي حرب حقيقية. ولكن هذه الحملة على الأقل استطاعت أن ترصد لنا ست شخصيات مرتبكة ومربكة في شوارعنا. وهذه الشخصيات هي: شخصية "المهجول" و"المتهور" و"الغثيث" و"المغرد" و"الزاحف" و"الملقوف". فكل شخصية من هذه الشخصيات تمثل سلوكاً بدأ صغيراً وتجربة لم تردع فتطورت إلى أن أصبحت ظاهرة مقلقة في شوارعنا. فالمغرد مثلاً هو من لا يكترث بسلامة الجميع عند التغريد عبر تويتر وهو يقود السيارة ويهمل الطريق. وهذا المغرد المميت في الشوارع يماثله مغرد فكري آخر خلف المكتب ويجرف بتهور أفكاره من لا يملك ميزان الحكمة والتفنيد. وكم تلقف تغريدة على أساس انها حقيقة مسلمة لم تخرج من تحت عباءة الرأي الذي يحتمل الخطأ والصواب. أما الزاحف والمهجول فاستقطابهم التدميري سهل لغياب الرادع السريع وإنما البحث عن إثارة مفقودة لتضع تلك الشخصية الهامشية على رأس أولويات الاهتمام مثلما فعلنا سلفاً مع ما يسمى "بالدرباوية". شخصيات مرتبكة تشكلت في الخارج والداخل ونحن نتابع حلقات المسلسل لعله يفشل فلا ينتقل معنا إلى موسم آخر. لذا قال أهل العلم والتقوى "مجاهدة النفس أفضل جهاد".