في بهو الفندق كنت أتحدث إلى جليسي الذي يحتل مركزاً مرموقاً في حكومة المالكي ويدافع عن جميع الخطوات التي تتخذها حكومته للتقارب مع إيران على حساب البعد عن محيطها العربي، قلت له: أين تلك القصائد الوطنية التي كان يرددها شعراء العراق وقادته؟ أين عراق الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي حيث عاش السنة والشيعة والعرب الأكراد في حب ووئام، يتجاورون ويتزاوجون من بعض؟ بل لقد كان العراق موطن جميع الأديان من مسلمين ومسيحيين أضع يدي على قلبي خوفاً على بقية الدول العربية ومنها دول مجلس التعاون فهي ليست بمنأى عن داعش وغيرها من الحركات المتطرفة التي وجدت ضالتها في الدول التي اختل فيها الأمن، وستحاول جاهدة أن تجد موطئ قدم في بقية الدول من خلال تجنيد أبنائها، واختراق نظام التعليم والتركيز على حملات التشكيك في المنجزات الوطنية، لذا لا بد من سدّ جميع الأبواب والنوافذ التي قد يلج منها التطرف.. ويهود وغيرهم، وفي عام 1950 كان في العراق حوالي مئة وعشرين ألف يهودي من ألمع التجار والمحاسبين والعلماء والقضاة والمحامين تم إسقاط الجنسية العراقية عنهم وأجبروا على الرحيل إلى إسرائيل ليصبحوا أهم عناصر قوة الدولة الصهيونية وتفوقها، واليوم تعيشون تحت ظل حكومة طائفية تلتقي مصالحها مع إيران واستراتيجيتها التوسعية ودعمها للطائفية على حساب أمن المنطقة واستقرارها. أجابني: العراق يعيش في ظل حكومة ديمقراطية منتخبة تحكم فيه الأكثرية ومن خلال برلمان منتخب. أجبته: العالم العربي والإسلامي عرف آليات الديمقراطية دون أن يتشبع بثقافتها، إن من أهم أسس الديمقراطية التسامح وصون الحريات وحماية وحفظ حقوق الأقليات كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، والعالم العربي ابتلي بربيع ناقص أثمر عن أحزاب طائفية لذا تسير أوضاعه من سيىء إلى أسوأ. العراق بحاجة إلى حكومة مدنية قوية في أدائها، متسامحة في فكرها وبعيدة كل البعد عن الطائفية وسوف تثبت لك الأيام ما أقوله. تذكرت المحادثة وأنا أتابع أخبار العراق وأتألم لما أصابه، وأصاب أكثر من بلد عربي، وأضع يدي على قلبي خوفاً على بقية الدول العربية ومنها دول مجلس التعاون فهي ليست بمنأى عن داعش وغيرها من الحركات المتطرفة التي وجدت ضالتها في الدول التي اختل فيها الأمن، وستحاول جاهدة أن تجد موطئ قدم في بقية الدول من خلال تجنيد أبنائها، واختراق نظام التعليم والتركيز على حملات التشكيك في المنجزات الوطنية، لذا لا بد من سدّ جميع الأبواب والنوافذ التي قد يلج منها التطرف ومن أهمها: أولاً. التعليم هو الميدان الواسع للتعامل مع الشباب والتأثير عليهم، ولم يعد إصلاح التعليم وتطويره ترفاً أو اجتهاداً يقابل بالرفض والتشكيك بالنوايا، بل أصبح ضرورة تحتمه الوقائع والظروف، خصوصاً وأن هناك أعداداً كبيرة من الطلبة غرر بهم والتحقوا بمنظمات متطرفة بسبب غياب الفكر الناقد، الذي جعلهم يصدقون كل ما تبثه مواقع التواصل من خارج المملكة وداخلها، ولا بد من تنقية المناهج من كل إقصاء أو تزمت أو تجييش ضد الآخر أو توهم بامتلاك الحقيقة المطلقة، أو كتابة التاريخ نقياً ناصعاً وكأن من سبقونا ليسوا من جنس البشر الذي يخطئ ويصيب، التعليم هو أهم عوامل تقدم الأمم أو تأخرها، وكل تعليم لا يعلم التسامح ولا يسعى إلى تطبيقه داخل الفصول وخارجها يعتبر تعليماً ناقصاً. وعلى علماء التربية والاجتماع البحث عن أسباب ذهاب أعداد كبيرة من الشباب إلى مناطق الحروب الطائفية والمذهبية في وقت استطاعت دول أخرى أن تنأى بشبابها عن الالتحاق بتلك المناطق الساخنة. نحتاج إلى تعليم متميز يجعل من كل اختلاف قوة ويؤكد على جعل المواطنة هي المقياس للحقوق والواجبات، التعليم هو سلاح الأمم نحو محاربة الطائفية وتحقيق التقدم والاستقرار. ثانياً. الفساد هو العدو الأول لاستقرار الدول وازدهارها، وفي تناسب عكسي مع الاقتصاد القوي، أي أنه كلما قلّ الفساد ازدهر الاقتصاد وكلما زاد الفساد انكمش الاقتصاد، والفساد يشوه جهود الدولة ويجهض المشاريع ويجعلها ناقصة ويجعل المصالح الشخصية تطغى على المصالح العامة، ويخلق أقلية متخمة وأكثرية معدمة، ويؤثر على جودة الخدمات المقدمة للمواطن ويغذي حملات التشكيك التي يقودها المتربصون بأمن الوطن ومكتسباته، الفساد يقدم أفضل الخدمات للمتربصين بالوطن وأمنه، الفساد هو المستنقع الذي يجب ردمه ومحاصرته من قبل جميع الجهات المعنية. الاقتصاد القوي هو الميزة النسبية لدول مجلس التعاون وبفضله تم التغلب على الكثير من المصاعب والتحديات، ليس داخل دول المجلس فحسب، بل وللدول العربية الأخرى التي عانت من المصاعب المالية، ولولا تدخل دول المجلس لانتهى ببعضها المطاف إلى الإفلاس والحروب الأهلية. بناء اقتصاد قوي يكافح البطالة بحاجة إلى جهود الدولة بكامل مؤسساتها لإنشاء شركات قوية لديها مراكز أبحاث وتطوير كما هو في الدول التي تتمتع باقتصاد مزدهر مثل سنغافورة وكوريا وتايوان حيث ركزت على بناء شركات كبيرة ناجحة تحقق التنمية المستدامة وتوظف وتدرب وتزرع ثقافة العمل وتعطي الموظف كامل حقوقه وواجباته. ثالثاً. الجبهة الداخلية هي أهم الجبهات التي يمكن أن يتسلل من خلالها المتربص بأمن الوطن واستقراره، لذا فالأولية هي في المحافظة على جبهة داخلية متماسكة تتحقق فيها العدالة للجميع ويعيش فيها جميع الموطنين سواسية في الفرص والحقوق والواجبات بصرف النظر عن المذهب أو المنطقة أو النسب. فلولا مستنقع الطائفية في سورياوالعراق لما استطاعت إيران وداعش أن تجدا موطئ قدم هناك. كما يجب ألا ننسى دور الأسرة وتماسكها وترابطها وعنايتها بأبنائها فهي خط الدفاع الأول في المعركة ضد الإرهاب وضد كل ما يهدد أمن الوطن، وهي أساس تماسك الجبهة الداخلية وحمايتها. الإرهاب وقوده التطرف، والتطرف تصنعه ثقافة أهم روافدها التعليم بمناهجه ومعلميه والاعلام بقنواته المتعددة، وتفشي البطالة والفقر، وتخلي الوالدين عن تربية أبنائهما مما يجعلهم صيداً سهلاً للحركات الإرهابية المتطرفة، حقاً إن ردم المستنقعات أسهل كثيراً من مطاردة البعوض.