التحريض أحد أهم أسباب التذمر وأحد أبوابه الواسعة. والتذمر أحد الممارسات السلبية التي تكتنف الحراك الإنساني في بعض جوانبه في كل زمان ومكان إلا أن بعضه له أسبابه التي يستغلها المحرض لتعميق الفجوة وزيادة النقمة والبعض الآخر لا يعدو أن يكون حالة مرضية تنتاب بعض الناس وتسيطر عليه فتجده طوال الوقت متبرماً ومتذمراً من كل شيء. وعلى العموم هناك أنواع كثيرة من التذمر ولكل منها أساليب تحريض تناسبها. نعم.. المملكة تعيش في أمن مستتب واستقرار وارف وتطور مشاهد وإصلاح مستمر ونهضة عامة وازدهار نُحسد عليه ولذلك فإن علينا ألا نسمح للتحريض والتطرف والتذمر أن تجد موطئ قدم في بيئتنا ومجتمعنا ودولتنا من خلال سد جميع الثغرات التي يمكن أن تستخدم كوسيلة للتحريض إلا أن ما يهمنا منها تلك الحالات التي يمكن أن تستغل وتستعمل كفتيل من قبل المحرضين الذين يتمثلون بالأعداء والمتربصين والمتطرفين لنشر التذمر الذي هو مفتاح التطرف والتطرف مفتاح الاختلاف والاختلاف مفتاح الفتن والفتن مفتاح التناحر والتناحر مفتاح الخراب. وذلك من خلال نشر التطرف والنقمة وتقليل الولاء ودعم الإعجاب بما لدى الآخر من خلال انتقاص المنجز الوطني مهما علا، وتضخيم منجزات الغير مهما صغرت ناهيك عن خدمة الأعداء وما أكثرهم اليوم ما بين طامع وحاسد ومتربص ولئيم ومنتقم داخلي أو خارجي أو عميل أو متآمر أو مأجور وجميعهم يتم الوصول إليهم أو زيادة نقمتهم أو إقناعهم من خلال زرع بذور التذمر باستخدام بعض السلبيات وإن قلّت. والمحرضون يتبعهم الغاوون الذين يسهل التغرير بهم لصغر سنهم أو معاناتهم أو صغر عقولهم وقلة ذكائهم أو إغرائهم بالمال والثواب وغيرها من الوعود البراقة التي تفصّل حسب توجهات المستهدف وميوله، وخير مثال على ذلك أولئك الذين يلتحقون بتنظيم القاعدة أو يتعاطفون معه أو يدعمونه بالفتوى أو المال، وأولئك الذين يتجسسون على وطنهم لحساب الأعداء وأولئك الذين يحملون أجندة خارجية ليس لهم فيها ناقة ولا جمل وأولئك الذين يمارسون الفساد والتخريب والتعطيل لزرع التذمر وأولئك الذين يذهبون للقتال في مواقع الفتن واختلاط الأوراق والاقتتال ثم تتلقفهم أيدي الإجرام الآثمة وتعمل على غسل أدمغتهم وتحويلهم إلى قنابل موقوتة ضد أوطانهم وبني جلدتهم، ومن المعروف أن هناك مراكز للتدريب على التطرف وغسيل الأمخاخ في كل من العراق واليمن وسورية وجزر البحر الأحمر التي تديرها إيران وغيرها والتي يتم افتتاح المزيد منها مع مطلع شمس كل يوم على امتداد الساحة العربية والإسلامية وكلها تخلق تنظيمات تعتمد الطائفية والتكفير والتفجير والعرقية والنزعة الانفصالية كوسائل لتحقيق غايات لا يعرفها إلاّ من زرعها حقداً وكرهاً بأمة العروبة والإسلام. ألم يكن التحريض والتذمر أهم مفاتيح الخريف العربي؟ الذي بدأ براقاً ثم تحول إلى كارثة بعد أن تحول إلى عكس ما أرادت منه الجماهير المخدوعة. نعم التحريض والتذمر موجودان في كل زمان ومكان وهما يزرعان بأيدٍ عديدة ويساعد على زراعتهما والاقتناع بأجندتهما ومسوغاتهما، عدم الحراك العاجل نحو نزع فتيلهما من خلال القضاء على بعض الوسائل التي يمكن أن نذكر منها: * التصنيف غير المحمود المصحوب بالتحريض والإساءة ومصادرة الرأي والقناعات من قبل بعض الفئات ضد بعضها البعض واستخدام وسائل الإعلام التقليدية والحديثة بعيداً عن رضا الغالبية العظمى الصامتة. وعلى الرغم من أن الدولة ليست طرفاً في هذا الشد والجذب ولا تقره إلا أن كل من تلك الفئات يدعي وصلاً بليلى. ولهذا فإن وضع ضوابط تحد من هذه المهاترات يعتبر لبنة تمنع التذمر من هذه الممارسات التي تنتهجها فئة قليلة. * البطالة وسيلة تحريض كبرى وهي باب واسع من أبواب التذمر لأنها تطال شريحة واسعة من أبناء المجتمع غالبيتهم من الشباب ومما يسهل التحريض في هذا الباب وزيادة التذمر محدودية فرص العمل المتاحة وكثافة العمالة الأجنبية وعدم مواءمة مخرجات التعليم لمتطلبات سوق العمل ولعل تنافس أكثر من (38) ألف متقدم ومتقدمة على (125) وظيفة أعلنتها إحدى الجهات الحكومية دليل واضح على البطالة. لذلك فإن فتح فرص العمل أمام الشباب من أهم وسائل نزع فتيل التحريض والتذمر الناتج عنه. * أزمة الإسكان باب واسع من أبواب التحريض والتذمر الناتج عنه. فالذين لا يملكون سكناً خاصاً يضطرون إلى الاستئجار وهذا يكلف المستأجر حوالي (50٪) من الراتب الشهري ولذلك فإن حلم تملك السكن الخاص كان حلماً من خيال فهوى بسبب الارتفاع غير المبرر لأسعار الأراضي وتكلفة التشييد وجشع المطورين والاحتكار وغياب الضوابط التي تحكم ذلك. مع أن الحل سهل ممتنع. فلو سمح بتعدد الأدوار على جميع الشوارع الرئيسية وخصصت مخططات لبناء الأبراج السكنية وسمح لكل صاحب فلة أو بيت أن يبني مزيداً من الأدوار إذا رغب لأصبح العرض أكبر من الطلب وانخفضت الأسعار وأصبحت في متناول الجميع كل حسب استطاعته هذا بالاضافة إلى ما تقوم به وزارة الإسكان من المشاريع والخطط المتمثلة في برنامج أرض وقرض. إن حل أزمة الإسكان يسد ثغرة من ثغرات التحريض وما يترتب عليه من تذمر. * غلاء المعيشة باب من أبواب التحريض وما يترتب عليه من تذمر خصوصاً ان غلاء المعيشة (دواء وغذاء) تزداد وتيرته كل يوم على الرغم مما نسمعه عن انخفاضه في الخارج. وإذا أخذنا التدليس بعين الاعتبار نجد أن المشكلة أعقد. حيث يتم العمل على خفض الوزن والمحافظة على السعر قبل الإنقاص. وهذا الأمر متبع في بعض السلع مثل الرز والحليب الجاف والسكر والشاي وغيرها مما لا يمكن حصره.. إن إيجاد وسيلة للتحكم بأسعار المواد الغذائية كالخزن الاستراتيجي للغذاء والدواء والمعدات سوف يمكن من التحكم بالأسعار عند الحاجة وذلك أسوة بما تفعله البنوك المركزية للمحافظة على سعر صرف العملة. وعند ضبط الأسعار سوف يتم تحييد التحريض والتذمر المرتبط به. * تحت طائلة ارتفاع أسعار العقار وغلاء المعيشة (دواء وغذاء) على الرغم من معقوليتها مقارنة بالدول الأخرى، وانخفاض مستوى الدخل لدى بعض الفئات وتقلص القيمة الشرائية للريال ودخول عدد كبير من الناس في مصيدة القروض ووجود عمالة أجنبية كثيفة بدأت الطبقة الوسطى وهي الطبقة العاملة المنتجة تتقلص مما ينذر باتساع الطبقة الفقيرة وهذا بالطبع يؤدي إلى تحول المجتمع إلى طبقتين إحداهما غنية مترفة محدودة العدد وأخرى ترهقها متطلبات الحياة وهذا يعتبر من أبواب التحريض والتذمر التي يحسن الانتباه لها وسدها. إن المحافظة على الطبقة الوسطى ومنع تدهورها ذو أهمية كبرى. * الفساد والبيروقراطية وتعثر المشاريع أبواب واسعة للتحريض وخلق التذمر. ومن حسن الطالع أن دولتنا الفتية بقيادة خادم الحرمين الشريفين أتاحت مساحة واسعة من حرية التعبير ونقد الأداء العام وذلك لجعل المجتمع مرآة تبين مواضع الخلل تمهيداً للتعامل معها وهي تدرك أن الشفافية والحزم من مفاتيح الحلول التي تحمي المجتمع من التحريض وبالتالي التذمر. * محدودية وسائل الترفيه والمواقع السياحية أو مواقع التنزه في المدن والسواحل وما حولهما أو ارتفاع أسعارها أو حجزها أو تدني البنية التحتية تدفع بالقادرين إلى السياحة الخارجية وتصدير ما يربو على (50) مليار دولار سنوياً إلى خارج البلاد. أما غير القادرين فيتبرمون من محدودية الخيارات أمامهم. * عدم استقرار المنطقة العربية والأخبار غير السارة والتحريض والشائعات المغرضة وتغطية الفضائيات المتناقضة والاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي من أهم أسباب الإحباط والتوجس وهذا كله يخلق نوعاً من التخوف يحتاج إلى عمل ثقافي وإعلامي وتوعوي يعيد إنسان المنطقة إلى توازنه وبالتالي التفكير السليم الذي يخرجه من تلك الأزمة الطاحنة التي تعيشها المنطقة بسبب التحريض والتذمر اللذين قادا إلى الخراب في كل بلد حلّا فيه. نعم المملكة تعيش في أمن مستتب واستقرار وارف وتطور مشاهد وإصلاح مستمر ونهضة عامة وازدهار نُحسد عليه ولذلك فإن علينا ألا نسمح للتحريض والتطرف والتذمر أن تجد موطئ قدم في بيئتنا ومجتمعنا ودولتنا من خلال سد جميع الثغرات التي يمكن أن تستخدم كوسيلة للتحريض من أجل نشر التذمر وما يترتب عليه آخذين بعين الاعتبار ما آلت إليه دول المنطقة التي نخر التحريض والظلم أساساتها حتى تهاوت مثل العراق وسورية واليمن وليبيا وغيرها ومن خلال الوقوف صفاً واحداً خلف حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني حفظهم الله. ولي وطن آليت ألا أبيعه وإلا أرى غيري له الدهر مالكا والله المستعان.