مدخل للشاعر محسن الهزاني: يا مجيب الدعا يا متم الرجا استجب دعوتي إنني مُبتهل وإمح لي سيتي واعفني زلتي فإنني يا إلهي محل الزلل فأنا الذي بك أمد الرجا فلا خاب من مد فيك الأمل تمر الساعات والأيام في منحنيات الحياة وتحدث فيها مواقف مؤثرة تعيش معنا كل لحظة، والإنسان ليس معصوماً من الخطأ، فالكل منّا يخطئ، ولكن الخيرين هم من يتوقفون عن الأخطاء ويندمون أشد النّدم كما قال النبي "صلى الله عليه وسلم": (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، فيجب عدم التمادي في الأخطاء والندم فوراً على كل زلة، والابتهال إلى الله -سبحانه وتعالى- في طلب التوبة والغفران.. وفي هذا الشأن يقول زياد بن حجاب راجياً العفو والمغفرة من رب العزّة والجلالة: يا الله يا فارج على كل مكروب يا واحدٍ بأمرك تهون المصايب يا من تقلب بين اصابيعك قلوب خلقتها من بين صلب وترايب يا غافر لمن جالك وكله ذنوب عبدٍ ضعيف وجاك تايب ونايب والنّدم.. من أشد الحالات التي تمر على الإنسان في حياته، فهو يوقظ الضمير، ويطهّر القلب، وكثيراً ما نسمع من القصائد المؤثرة التي تتحدث عن ندم الشخص أشد الندم.. ومن هذه القصائد المؤثرة في النفس، والمعبرة في صدق الإحساس، وجمال السبك قصيدة شرعان بن فهيد بن رمال عندما طلق زوجته لحظة غضب، ثم ندم على ذلك أشد النّدم فأنشد: من لا خذا من درس الأسلاف نبراس تمضي حياته بالرجاء .. والتمني أقفيت أدير بضامري كل هوجاس على وليفٍ بالحشاء غاب عني تكبي خواطرهم ليا جيت عسّاس ولا تقل أنا منهم .. ولا صار مني ومريت دارٍ ما تقل جتها الأوناس وونيت ودموع العيون أذرفني والناس مجبولون على الزلات والأخطاء ولكن يجب النّدم على فعل الخطيئة والتوبة الصادقة.. فمن نُزع من قلوبهم التوبة والنّدم يعيشون أسوأ الحالات النفسية، والضيق في الحياة، والعذاب المستمر، والسمعة السيئة، وكراهية المجتمع لهم: رجال تسعى في هوى النفس هروال وتعيش في حب الملذّة صريعه وعندما يشعر الإنسان بالنّدم فإنه يبدأ مع نفسه لحظات صادقة، ووقفات محاسبة للنفس وما ذا جناه في ماضي من الأخطاء، وما ذا قدّم لنفسه من أعمال الخير.. فإن كان قد بدر منه ما يستحق النّدم والتوبة لابد أن يتدارك الأمر ويسارع بالتوبة والنّدم على ما فات يقول عبدالعزيز الشهيل: خلاص أعلن عن اللي فات توبه وباب الذنب في يمناك سدّه تأكد خالقك لا تبت يفرح ويغفر ما سلف هزله وجدّه كتبت الشّعر والمقصود ذكرى وعلمي من بغى الخيره يشدّه ويجب على الإنسان أن لا ينّدم على أعمال الخير، ولحظات السعادة التي قد أسعد بها الآخرين، وأن لا يترك العنان للنفس الأمارة بالسوء، بل يجب مجاهدة النفس والهوى والشيطان، والحذر كل الحذر من زيغ النفس والشياطين، وزلة اللسان كما يقول تركي الميزاني: يا فالق الصبح يا مولج نهارك بليل يا جامع الناس في يوم البعث والنشور عليك كل اتكالي وأنت نعم الوكيل يا عالم بالمصير وما تكن الصدور يالله .. يالله تهديني سوا السبيل وتعصم لساني عن الزله وعن كل زور ويجب أن نتخلص من التقصير خاصة في أمورنا الدينية قبل النّدم على فوات الأوان، وقبل أن يحين موعد الرحيل، وتدني شمس المغيب، وفي هذا الاتجاه يقول حسين بن جبران الكريري: يمر العمر يوماً بعد يوم وعام ينقضي من بعد عام سراعاً والزمن يأبا وقوفاً وأعمارُ البرية في انصرام فمن بالأمس رياناً فتيا تراه اليوم منهوكَ العظام ومن بالأمس في قصرٍ مُشيّدٍ تراه اليوم من تحت الركام والنّدم.. ليس عيباً ولا ضعفاً كما يتصوره البعض من الضعفاء، والذين ماتت ضمائرهم.. بل يدل على صدق مشاعر الإنسان، وصحوة ضميره، والنّدم على ما بدر منه من أخطاء في مواقف مؤلمة حدثت منه في لحظة ضعف وغياب الضمير يقول مساعد الرشيدي: جيتك بقايا حيّ كل أكثره مات وصلت لك بآخر رمق من حياتي جيتك خوي الخوف في رحلة الذات بين الرجا.. وظروفي القاسياتي وقد أبدع العديد من الشعراء المتمكنين في قصائدهم الشعرية في وصف حالة الندم، والبوح عن هموم الذات، وما يمر على الإنسان من حالات الألم والندم نتيجة أخطاء حدثت له في حياته، وجميل جداً الاعتراف بالندم.. ومن هؤلاء الشعراء عبيد الدبيسي الذي يقول: تعبت أقوم بوجه الأيام وأطيح لا طاب جرح ولا ندفن واحتسبته يا هي سنيني ما كتفت بالتباريح يا ذا الزمن شكل كذا ما عجبته كنّي خطا ويدين الأيام تصحيح شي بري منه.. وشي ارتكبته والإنسان الأصيل يتقبّل النصح والإرشاد، والتوجيه نحو الطريق الصحيح للفوز بالحياة السعيدة، وعدم النزول لسفاسف الأمور، فكم من إنسان صدم بعقول بعض البشر، ومدى سوء تصرفاتهم.. لذا فإن النّدم يحصل على بعض التعامل مع بعض البشر خاصة عندما يسيء الظن فيك من كنت تحترمه وتجلّه، فالحذر كل الحذر أن لا نجري خلف من يتركنا ونحن نحاول ثنيه للوقوف، وأن لا نستشير من يكون رأيه يخالف الصواب، والبعد كل البعد عن مقاربة أهل الفساد، حتى لا يصيبنا النّدم والحسرة وفي هذا الشأن يقول الشاعر مشخص الفهري: لا تطرد المقفي ولا تشاور العيّ قدام ياكلك النّدم .. والحسوفه ترى حكيم الشور يأخذ ويعطي نفسه من الرأي الدناوي عيوفه ولا تقرب الشبهه.. ولا تخاوي السيّ عليك باللي طيباتٍ وصوفه وعندما نعوّد أنفسنا على الطباع الحسنة، والاستقامة، والمبادئ الشريفة لن نندم، وإذا حدث -لا سمح الله- من عمل يستوجب الندم فيجب التوقف عن هذا الفعل، ولا شك أن من رحمة الله -سبحانه وتعالى- على عباده قبول توبتهم، والرحمة بهم، فالنّدم يطهّر القلوب، ويشعر الإنسان بقيمته وجمال الحياة، والانطلاق من جديد في ميدان الحياة الفسيح نحو النجاح والأمجاد والسعادة الحقيقية التي يتمناها كل إنسان نقي وطاهر وشريف.. فليس كل سقوطٍ نهاية فسقوطُ المطر أجمل بداية. تركي الميزاني زياد بن نحيت عبيد الدبيسي مساعد الرشيدي