الشعر مرآة الذات ورفيقها الذي تلتجئ إليه وتبث من خلاله شجونها ، وفي هذه الرؤية سنتقرب أكثر لذات الشاعر ومدى تعبيرها عن إنابتها لخالقها ورجوعها إليه ، فمن منا لم تزل قدمه في وحل المعصية أو لسانه في براثن الظلم؟ كلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون، فالتوبة تمحو ما قبلها، وهناك العديد من النصوص الشعرية التي تتجلى بها التوبة النصوح ورائحة الندم لله - عز وجل - بنصوص تفوح مناجاة واستغفارا ورجوعا، مبللة بالدمع ومكتنزة بالخشوع. قال أبو النواس متقربا إلا الله وتائبا: يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم وقال الإمام الشافعي : ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا ربي لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما يقول الشاعر محسن الهزاني طالبا من الله العفو والصفح: يا مجيب الدعاء يا متم الرجاء استجب دعوتي اني مبتهل امسح سيئتي واعف عن زلتي انني يا إلهي محل الزلل الذي مدفيك الهي فلا خاب من مدفيك يا الهي أمل وقد قلنا آنفا إن الشعر ما هو إلا مرآة صادقة وأحاسيس ناطقة لما يلامس الذات الإنسانية من فرح وحزن من توبة ولوعة، ومن ندم ورجوع، يقول الشاعر الكبير محمد بن عبد الله القاضي - رحمه الله - من قصيدة طويلة كانت التوبة والندم أجنحة محلقة في فضائها: يا إلهي خذ بيد قلبٍ سليم عن عذابك يوم للخلق ازدحام من بحر مجدك وجودك يا كريم نفحة نَسعَد بها دوم الدوام أنا دُست الخطايا من قَديم طالبك صفحك وعفوك لي ختام الهوى والنفس أغواها الرجيم ونشر فضلك واسع ذا والسلام فنجد في نص القاضي تلك "الأنا" المرتفعة المتضرعة" يا إلهي، أنا دُست، طالبك صفحك" أما الشاعر محمد بن لعبون - رحمه الله - فله نص طويل في طلب التوبة ومنها أختار لكم : استغفر الله عن كثر الزلل واستعين اعنايته في كل حال توبة المغتر حاط به الاجل بالعجل يا أيها الراجي مخال بادره ما دام لك فها مهل فالمنايا رايحات بك عجال وللشاعر نايف صقر مع التوبة رؤية جميلة وفلسفة فنية رائعة، لذا نجد الأنا هي اللازمة التكرارية التي يتكئ عليها النص وإشارة إلى أن الذات هي منبع الخطيئة ويجب عليها الرجوع والابتعاد عن الملذات التي تنزلق بالنفس إلى المتاهات: أنا ماني بلا مشرك ولا كافر ولا عربيد أنا اللي لاعصا واخطا تجهم واقلقه ثوبه وانا اللي يرتجف مثل ارتجاف الخايف الرعديد إذا شاف القبور الضيقات وحس بذنوبه أنا عبدك ولد عبدك وجداني هل التوحيد خطاياي أخجلتني يا الله الغفران والتوبه أنا الإنسان حمال النقايض والكمد والغيض غريق الطين واللذات من راسه لعرقوبه الشاعر إبراهيم السمحان وهذا النص الروحي، وتلك المناجاة الصادقة التي تتجلى بها التوبة بانكسار وإنابة النفس لخالقها في بوح شاعري شفيف: يا ربي الليل وحشه والذنوب أوقفن قدام عين المسافر مع دروب السنين جلد الضمير اشتعل بي والجروح انزفن نظرت خلفي وزاد الركض.. والركض وين فرّيت لك منك وأيامي تلوح بكفن الموت اشوفه يخاتلني شمال ويمين جيت اعترف وانكسر.. جيت ارتمي واندفن في رمل شاطيك.. جيت يشدني لك حنين تعاظمت بي ذنوبي - هاجسي.. وعصفن باللي بقى من ثباتي.. عونتك يا معين إن سيطر الخوف فجبال الضلوع رجفن وان لاح طيف الرجاوي: تونا ريّضين وأخيرا الشاعر ساير الحبردي يوصي كل من يقرأ قصيدته بالاستعجال والتوبة وتطبيق أركان الإسلام قبل أن يأتي يوم لا تنفع به التوبة ولا الندم: أذكر نهار يصير قبرك بيت من ضمن البيوت وأهل القبور الله يعلم دوم وش يحصلها ينزل عليك من السماء مرسول لا وصلك تموت والروح من بين الضلوع الضيقات يتلها ويقول الشاعر: ظافر القحطاني يالله وأنا طالبك تغفر لي ذنوبي يا غفور أرجيك والجا لك وأنا سالك وأعيد المسأله لوما تطهرني بعفوك ما تطهرني البحور جيتك وذنبي قد تعلاّ غاربي يا مثقله أنا من الطين انخلقت أخطي ولانيب معذور قامت علي الحجّه بدعوة رسلك المرسله