إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني (أبو العتاهية) يلاحظ ان معظم الشعراء الشعبيين يختمون قصائدهم بالدعاء وتمجيد الخالق جل وعلا، والصلاة والسلام على رسول الله، هذا ما نجده في شعرائنا القدامى أمثال القاضي وابن سبيل وراكان بن حثلين وإبراهيم بن جعيثن ومحمد بن مسلم وغيرهم كثير، وهو يدل على ان هذه البلاد الطاهرة - التي هي مهبط الوحي ومهد الإسلام ومنشأ العروبة - متأصل الدين في أعماق شعبها وموروثها على مر العصور، وإن مرت بفترات من الجهل والبدع والخرافات، ولكن الاتجاه إلى الله والصلاة والسلام على خير عباد الله كان ملازماً أو شبه ملازم لقصائد شعرائنا الشعبيين الأوائل، كما ان كثيراً منهم كان يبدأ قصيدته بالدعاء أصلاً. *** والإنسان بطبعه كثير الخطأ والخطايا(كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) كما ورد في الحديث الشريف. ونجد في شعرنا الشعبي والفصيح من الدعاء تضرعاً وخفية، ومن شعر التوبة والندم الممزوج بالأسى والأسف على ما مضى، الممدود المشاعر والأيدي إلى خالق السموات والأرض. يقول الزمخشري: يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل ويرى عروق نياطها في نحرها والمخ في تلك العظام النحل اغفر لعبدٍ تاب من فرطاته ما كان منه في الزمان الأول فالإنسان سريع النسيان، ويميل لزهرة الدنيا، خاصة وهو في ميعة الصبا وزهوة الشباب وقوة الجسد، ولكن الليالي تمر سراعاً فإذا هو - إن لم يمت شاباً - قد ضعف وشاب، وإذا ما مر عليه من سنوات طوال كأنه أيام، فكثير من الشعراء تضرعوا بالدعاء حين كبروا في العمر، ومنهم الشاعر المبدع أبو تمام الذي يقول: ألم يأن تركي لا علي ولا ليا وعزمي على ما فيه اصلاح حاليا وقد نال مني الشيب وابيض مفرقي وغالت سوادي بشهة في قذاليا وحالت بي الحالات عما عهدتها بكر الليالي، والليالي كما هيا ولأبي نواس وقد أضناه الضعف والسن فندم على ما مضى وتضرع لله جل وعلا: «دب فيّ الغناء سنعلاً وعلوا وأراني أموت عضواً فعضوا ليس من ساعة مضت لي إلاّ نقصتني بمرها بي جزوا ذهبت جدتي بطاعة نفسي وتذكرت طاعة الله نضوا لهف نفسي على ليال وأيا مٍ تمليتهن لعباً ولهوا قد أسأنا كل الإساءة فاللهم صفحاً عنا وغفراً وعفوا» *** وفي الدعاء والذكر والتسبيح لذة وسعادة، إنه دموع داخلية تغسل أوضار القلب، وتريح الصدر، وتقرب الإنسان من خالقه العظيم، وتجعله أكثر طمأنينة وأقوى أملا.. يقول أبو العتاهية: «سبحان من ألهمني حمده ومن هو الأول والآخر ومن هو الدائم في ملكه ومن هو الباطن والظاهر يا رب إني لك في كل ما قدرت عبد آمل شاكر فاغفر ذنوبي انها جمة واستر خطئي إنك الساتر» ولمحمد بن باهل في وصف دعوة بشكل فني «وسارية لم تسر في الأرض تبتغي محلاً ولم يقطع بها البيد قاطع سرت حيث لم تحد الركاب ولم تنخ لورد ولم يقصر لها القيد مانع تمر وراء الليل، والليل ضارب بجثمانه فيه سمير وهاجع إذا وردت لم يردد الله وفدها على أهلها والله راءٍ وسامع» ونقول: إن شاء الله.. ومن شعرنا الشعبي في التوبة والندم قول شاعرنا المشهور محسن الهزاني وقد تاب في شيخوخته توبة نصوحاً والحمد لله: «سرح القلب في عشب روض الندم وامزج الدمع من جفن عينك بدم واغتنم يا فتى صحتك والفراق إن لابد ذو صحةٍ من سقم واحبس النفس عن تبع طرق الهوى قيل ان يا فتى تزل بك القدم واحتزب من ظنونك ولا تبتئس فالجسد ربما صحته بالألم اترك الغي وامسك بكف الهدى العروة اللي ابداً قط ما تنقصم» والدعاء يملأ خلايا المؤمن وحناياه بالطهارة والطمأنينة والعزم على الخير.. ويقول الفارس راكان بن حثلين وهو أسير سجين عند الأتراك متوجهاً لخالقه العظيم: «يا الله يا اللي طالبه ما يضام تفرج لشخص لاجي عند قوم الله من عين لها سبعة أعوام تسهر وتبكي من كثير الهموم وقعت أنا في ديرة ما بها اسلام والبن الاشقر ما يدار معدوم وعزي لمن مثلي عليه الدهر هام مقصور رجل ولا جزع ما يشوم وصلاة ربي عد من يلبس احرام واعداد ما تذري ذواري سموم على نبي خصه الله بالاكرام على جميع الخلق صار محشوم ولمحمد بن لعبون: كل شي غير ربك والعمل لو تزخرف لك مرده للزوال والذي ينقاد بزمام الأمل لا تغبطه في زغاتير الهبال استغفر الله عن كثر الزلل واستعين عنايته في كل حال يسمح الي فات في وقت الجهل واسع الغفران وإن ضاق المجال العفو والصفح هو للصفح اهل والكرم والجود جوده والنوال غافر الزلات حي لم يزل لو ذنوبك راجحات كالجبال فان ذا الدنيا كما ضرب المثل والحياة بها كما طيف الخيال