يقاس الذكاء والغباء في الماضي بحجم المعلومات التي تتوافر لدى الفرد من تعليمه وقراءته وتجاربه في الحياة، ومدى استطاعته الاحتفاظ بها في ذاكرته للعودة لها وقت الحاجة، أما في عصرنا الحاضر برز "الإنترنت" كأحد أهم مخرجات تطور تقنية الاتصال والمعلومات، وأصبحت الذاكرة التي يعتمد عليها الفرد بدلاً من اعتماده على عقله في تخزين المعلومات، وعندما يريد أي شخص أن يعرف معلومة ما، فإنّه يسرع إلى استخدام "الإنترنت" كذاكرة يعتمد عليها، وكأنه جهاز حاسب آلي يعتمد على ذاكرة أو أقراص مدمجة صلبة خارجية، حيث إنّه الآن يعتمد على الهاتف الذكي والأجهزة اللوحية التي أضحت مرافقة للشخص في كل مكان، فبمجرد أن يحتاج لأي معلومة فإنه لا يكلف نفسه عناء الاعتماد على ذاكرته الشخصية. تذكر المعلومة وذكر "يوسف التميمي" -مسؤول الانشطة الثقافية في مركز صيفي بالدمام- أنّه كثيراً ما تعتمد الأندية والمركز الطلابية على المسابقات الثقافية المتنوعة، ولكن في الوقت الحالي أصبح لأي مشارك القدرة على الإجابة عن أي سؤال مهما كان موضوعه، من خلال كتابة السؤال في محرك بحث ليعطيك الإجابة الفورية، مبيّناً أنّه في إحدى المسابقات طرح سؤال: من يستطيع أن يأتي بفعل أمر يبدأ بحرف الياء؟، فجاءت الإجابة بسرعة البرق من أحد المشاركين الذي لم يكن متميزاً دراسياً، وأثناء إعطائ0ه الجائزة سألوه: كيف عرفت الإجابة؟، فقال عن طريق "جوجل"، موضحاً أنّ عقول الأفراد لم تعد تهتم إلاّ بمكان وجود المعلومات، دون أن تمتلك القدرة على تذكّر المعلومات نفسها. وووافقه "عمار الأحمدي"؛ مبيّناً أنّه يستطيع المشاركة في أي مسابقة ثقافية أو معلوماتية بمساعدة محركات البحث على الشيكة العنكبوتية. محركات البحث وأكّد "فائز المانع" -طالب ماجستير- أنّ الحصول على المعلومة في وقتنا الحاضر أصبح سهل جداً، وقد بات البعض لا يهتمون بتخزين المعلومات في عقولهم، إلاّ إذا تيقنوا أنهم سيحتاجون إليها في وقت لاحق، أما إذا شعروا أنّهم لن يحتاجوا إليها في امتحانات لاحقة، فإنهم لا يسترجعونها بنفس السرعة والكفاءة التي يسترجعون بها المعلومات التي يعلمون أنها ستفيدهم في اختبارات تالية، موضحاً أنّ التطور السريع في الخدمات التقنية ومحركات البحث عبر الانترنت، جعلا من الحصول على المعلومات بشتى أنواعها وأشكالها المختلفة أمراً سهل جداً؛ مما جعلت الناس لا يحاولون التركيز على الاحتفاظ بالمعلومات وتخزينها في عقولهم، بل أصبحوا يعتمدون بشكل شبه كلي على الشبكة العنكبوتية في الوصول إليها عند احتياجهم لها. الإنترنت سهّل على الأطفال مهمة تخزين المعلومات مبكراً ونوّه "عبدالله القرشي" -طالب جامعي- بأنّ "الإنترنت" بشكل عام أعطى لكل شخص ما يبحث عنه، ويحتاج إليه، مشيراً إلى أنّه زاد من فرصة حصول الإنسان على المعلومات التي يريدها؛ نظراً لخصائصه وصفاته التي تتراوح بين سرعة الحصول على المعلومة، وانتشارها، مؤكّداً على أنّ "الإنترنت" يمكنه أن يزيد من ثقافة الانسان أو ينقصها، بالإضافة إلى أنّ "الإنترنت" يساعد على الوصول إلى كمية كبيرة من المعلومات الخارجية بسهولة بالغة ورخيصة الثمن، كما أنّه يحسن السرعة في تبادل هذه المعلومات وتحليلها بسهولة كبيرة بفضل تطور البرامجيات. المصدر الأول وقال" د. خالد بن عبدالعزيز الشلفان" -عميد مركز الأعمال الريادية بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية- إنّ الحصول الفوري على معلومات عن مسألة ما أصبح أمراً سهلاً، في عصر تطور تقنية المعلومات والاتصالات، عبر قواعد البيانات والمواقع على الشبكة العنكبوتية والوسائط الالكترونية"، مبيّناً أنّها باتت تماثل العقل، من حيث الإمكانية الضخمة في تخزين وتنظيم المعلومات، والتنوع في طبيعتها وتوفرها عند الحاجة، إضافة إلى إمكانية الوصول إليها دون عقبات مكانية أو زمانية. وأضاف أنّ الفرد اليوم ينظر إلى "الإنترنت" على أنّها المصدر الأول والمفضل للمعلومات والأخبار، وذلك للسرعة الكبيرة التي يتم بها نقل المعلومات عبر الشبكة، والإفادة من تطور تقنيات المعلومات والاتصالات التي لم تعد بالضرورة تقتصر على الحاسوب الشخصي، بل أصبح بالإمكان أن يتصل بالشبكة من الاجهزة والهواتف النقالة والأجهزة الكفية، وبذلك يكون على ارتباط دائم بالإنترنت في كل مكان وزمان، يتابع ويستدعي المعلومات في الوقت المناسب، منوهاً بأنّ ذلك لا تتطلب أن يكون الشخص خبيراً معلوماتياً حتى يستخدمها، فبإمكان الصغير والكبير المتعلم وغير المتعلم أن يستخدما الإنترنت بغاية السهولة واليسر، إضافةّ غلى وجود محركات وأدوات البحث المتقدمة، التي تتميز بذكائها وسرعتها وسهولة استخدامها. الهواتف الذكية تناقلت المعلومات بسرعة بين الأجيال وأشار إلى أنّه يوجد عدد من الاشكالات في الإفادة المثلى من"الإنترنت" وما تحتويه من معلومات، كالمصداقية، حيث أشارت نتائج البحوث إلى أنّ مستخدم "الإنترنت" عندما يحصل على المعلومة يعتقد بصوابها وصحتها، ذلك أنّ هناك مواقع غير معتمدة أو مشبوهة، ولهذا ننَصح الباحثين والمستخدمين للشبكة بأن يتحروا الدقة والحكم على الموجود قبل اعتماده، مبيناً أنّ من الاشكالات تواضع المحتوى العربي في الشبكة العنكبوتية مقارنة باللغات الأخرى، وقد تم اطلاق مبادرة الملك عبدالله للمحتوى العربي لتعزيز الحصول على المعلومة بشكل أوسع وأدق، وتمكين الانسان العربي من الإلمام بأي موضوع يريد الاستزادة منه، كما أنّ العلماء والباحثين في مجال تقنية المعلومات والاتصالات يعملون بشكل دؤوب لجعل مكائن البحث أكثر ذكاء ليصل الباحث إلى المعلومة بشكل أدق وأكثر ارتباطًا بالموضوع الذي يبحث فيه. تعطيل المخ! ورأى "د. الشلفان" أنّ هذا الكم من المعلومات المتوفرة في "الإنترنت" لا يغني عن الاعتماد على عقل الانسان، ولا يعني تعطيل ذاكرة الانسان في الحفظ، فالحصول على المعلومة باستخدام تقنية المعلومات والاتصالات غير كافٍ؛ لأنّه لا بد من التأكد من مصداقيتها واجراء التحليل المناسب لربطها بالمسألة التي نبحث فيها، وعقل الانسان ليس فقط مخزنًا هائلًا للمعلومات، وإنما له وظائف أخرى: الفرز، والتحليل، والاستنباط، والاستنتاج، وغيرها، مستشهداً بتطور وانتشار الآلة الحاسبة حين اعتمد عليها كثير من الدارسين بشكل كبير، وأهملوا حفظ الأمور الحسابية الأساسية، مثل: جدول الضرب والقسمة المطولة وغيرها، بدعوى أنّ الآلة الحاسبة تؤدي لهم ذلك؛ مما نتج عنه تعطيل للمخ، مشدداً أنّ هذه التقنية ما جاءت في الأساس إلاّ لدعم القدرات البشرية وتعزيزها ورفع كفأتهم لا تعطيلها، إضافةً إلى التجاوب مع وتيرة تسارع الحياة. د. خالد الشلفان فايز المانع