الملاحظ في الآونة الأخيرة حرص بعض الشخصيات العامة على وجود ملاحقة إعلامية خاصة تتابعهم في الحل والترحال وكأنهم في سباق انتخابي. التطور في وسائل الاتصال ساعد على الاندفاع نحو الأضواء وكسب المتابعين والتابعين الذين لا يهمهم (مع الأسف) ما يقال بل من يقول. ثم تطور الأمر الى دفاع التابعين عن المتبوعين مهما كانت أخطاؤهم. اندفع كثيرون من الذين ينظر اليهم (كقدوة) نحو تنافس ليس في ميدان العلوم والفكر والثقافة وخدمة المجتمع ولكن في البحث عن المصفقين والمتابعين. هذا الاندفاع أدى الى اللجوء الى الاثارة عن طريق الأفكار والآراء الغريبة التي تحقق الاثارة والجدل، وعن طريق القصص الحقيقية والخيالية. هذا التنافس مع الأسف تمادى حتى وصل الى الدين الاسلامي فأساء الى الاسلام بأفكار وفتاوى يتبارى المتنافسون في اطلاقها لكسب مزيد من الحضور والجمهور. وسائل الاتصالات الحديثة لم تكن هي المشكلة بل هي كشفت لنا عن قضية ثقافية واجتماعية يصعب تجاهلها. قضية سباق ليس في مجال البحوث والتصنيع والطب وانما في مجال (الكلام). هذا السباق يحصل على كافة المستويات. مؤهلات وشروط المشاركة هي التطرف في الفكر أو في استخدام اللغة أو في النقد، وهو سباق مفتوح على كل المجالات والتخصص ليس من شروط المشاركة. وفي هذا السباق يجوز استخدام (التشكيك، والشتم، وإلقاء التهم، واطلاق الاشاعات) انشغل الناس بالاتصال والقيل والقال وتركوا العمل والانتاج لأنهم (مشغولون) ليس بصناعة الأحداث وانما بالتعليق عليها أو صناعة الأقوال والتصريحات وانتظار تعليقات التابعين. انشغل الناس بتصنيف أنفسهم، توارت المعايير العلمية والمهنية. أصبح الميدان في مجالات كثيرة تحت سيطرة العاطفة والميول، والآراء القاطعة، والتهم الجاهزة، وسوء الظن. أخطر تلك السلوكيات هي أن الجدل (الكلامي) يدور حول (الكلام) وليس حول قضايا التنمية والاكتشافات العلمية والبحوث والتطبيقات. هذا الجدل الذي يتجاوز أحيانا الخط الأحمر وهو خط الدين أصبح وسيلة تنافسية للفوز بكأس الاثارة. أما المعايير المستخدمة في اصدار الآراء القاطعة فهي معايير شخصية. اذا اختلف معي انسان في الرأي أو لم يكن بيننا مودة فاني بكل بساطة أعاقبه بقيود التصنيف وعندي من التابعين من يصدقني. هذه احدى الطرق المتبعة لكسب النقاط في ميدان التنافس (الكلامي) تماما مثلما يفعل المتنافسون في المجال السياسي حين يتبادلون الاتهامات ويستخدمون سلاح الاشاعات. في هذا التنافس أو السباق يتحول الشخص نفسه الى قضية أو بطل وتغيب القضية الحقيقية (إن كان هناك قضية).