تطورت التقنية، وهبطت اللغة، التقنية وفرت للإنسان مزيداً من الوقت فاستغله في الثرثرة. التقنية وفرت للإنسان مزيداً من الجهد فاتجهت الجهود نحو المعارك الكلامية، وابتعدت عن العمل الحقيقي. تطورت التقنية ولم يتطور الفكر، أدوات حديثة، وسلوك يتسم بالأمية. أجهزة متطورة، وقنوات اتصال متعددة، والباب مفتوح لحوارات الاقصاء، ولغة الشتم، وأسلوب يبحث صاحبه عن الانتصار. لا تقل لي نحن في عصر جديد. نعم نحن في عصر جديد، ومرحباً بالوسائل الحديثة، ولكن هل من ضروريات العصر الجديد أن أنشغل بالمعارك الكلامية، أو الخروج عن النص بطريقة تسيء للآخرين بحثاً عن الشهرة والإثارة؟ هل من ضروريات العصر أن أقول ما أريد دون ضوابط؟ هل تعطينا الحرية الحق في أن نكتب ونتظلم بطريقة فوضوية تجعلنا نطلق الأحكام والآراء غير المستندة إلى أي دليل؟ الفكر المتطور لا يُستدل عليه بمدى استخدام أدوات وقنوات الاتصال المتطورة. ثقافة المجتمع يمكن أن توجد في الكتابات على الجدران وليس في (تويتر) لكن المسافة بين القيم والممارسات هي معيار الثقافة سواء كتبت تلك القيم باستخدام الطباشير أو باستخدام الكمبيوتر! بعضنا من الكبار (القدوة) أصبحوا يحملون شعلة الإثارة، ويبحثون عن الأحداث والأخبار للتعليق عليها بتعليقات لا تضيف فكراً وإنما دعوة مجانية لحفل إثارة جاذبة للجدل الذي لا طائل منه سوى إضاعة شيء ثمين هو الوقت: وقت (المثير) ووقت الباحث عن الإثارة. وهكذا تحولت الوسيلة إلى غاية، وزادت نسبة التسلية في البرنامج اليومي. ومن المفارقات أن (المثير) الذي يجيد استخدام كافة تقنيات الاتصال والتواصل الاجتماعي ويبدع فيها قد يستخدمها لشتم الآخرين بمن فيهم الذين اخترعوا أجهزة الاتصال وصمموا برامجها. ومن المفارقات أيضاً أن قنوات التواصل التي يتضمن اسمها المعاني التي تجمع ولا تفرق، والتي يفترض أن تكون وسائل لتعزيز الاتصالات والحوار الثقافي، وتنمية المعارف، أصبحت لدى البعض ميداناً لنشر الشائععات، وإطلاق الاتهامات، وطرح أفكار متطرفة، وغريبة باسم حرية التعبير!! أو باسم الخوف على الوطن من الغزو الفكري والتغريب! هذا الوطن الذي يحتاج إلى قدرات كافة أفراده، وإلى التكامل، والثقة، لقيادته نحو التطور والتقدم في كافة المجالات يأتي من أبنائه من يظن أن ثوابت هذا الوطن في خطر، وكأنه يريد أن ينعزل الوطن ليعيش وحده لا يؤثر ولا يتأثر، وهو بهذا يشك في اعتزاز المواطن بثقافته ودينه، ويعتقد أن اختراق ثوابت الوطن أمر سهل، وأن المجتمعات الإسلامية التي أخذت بأسباب التقدم وحافظت على ثقافتها وقيمها هي مجتمعات تتفوق علينا وتثق بثقافتها أكثر منا فنحن كما يرى - القدوة - لنا خصوصية تجعلنا نرحب بمن يريد هدم ثقافتنا ولذلك لابد من استخدام كافة أدوات ومنتجات الغرب للتخويف من التغريب!! ولا تكتمل محاربة التغريب إلا بإقصاء المرأة وإبعادها عن المشاركة في منظومة التنمية..