يبدو أن الشعراء لم يطرقوا بشكل مكثف وضع الدراسة والتعليم والاختبارات ومعاناة الدارسين وإن تناولوه فمن بعيد أو بشكل فكاهي، ربما لأنهم انشغلوا بالمدح والهجاء والفخر والغزل ومخاطبة بعضهم والمساجلات ووصف الطبيعة من حولهم ومعاناتهم مع الحياة ومشقة السفر وتقلب الأيام وما في الحياة الاجتماعية من حركة، كما أن معظم الشعراء جل اهتمامه بالشأن العام، ناسين أو متغافلين عن معاناة الطلاب وما يلاقونه من صعوبة في تحقيق أحلامهم والكفاح في سبيل تحقيق تلك الأحلام. ولا يعني هذا أنه لا يوجد قصائد تناقش أوضاع الطلاب ومدارسهم واختباراتهم والإجازات والفراغ وتعرض الشباب في العطل إلى مخاطر ناجمة من الفراغ، وكذا معاناتهم والصعوبات التي تعترضهم بشكل عام، بل هناك قصائد وأبيات جادة وفكاهية لكنها قليلة قياسا بما تزخر به الساحة من أشعار في أغراض شتى. ويرجع السبب في قلة القصائد في الشأن التعليمي إلى أن الكثير من الشعراء لم ينشروا تجربتهم ومعاناتهم الدراسية، أو أن منهم من ليس له تجربة تستحق نشرها في قصيدة وترجمتها في أبيات شعرية، كما أن بعض الشعراء الكبار لم يدخلوا المدارس ولم تكن الدراسة والتعليم هماً لهم، وهذا واضح من خلال الاطلاع على قصائد قديمة وما قبل التعليم النظامي، فتكاد تخلو القصائد الشعبية لبعضهم من ذكر الكتاب والقلم والمعلم وطلب العلم وصعوبات الحصول عليه والصبر في سبيله، وهذا الوضع طبيعي فالمجتمع كله مشغول بتحصيل لقمة العيش والسعي وراءها والعمل من أجلها ولم يكن يهتم كثيراً بالقراءة والكتابة وتحقيق المعرفة العلمية. ولنترك هذا جانباً دون لوم الشعراء في مشاركة الشباب همومهم الدراسية، ونتناول جانباً من قديم التعليم والدراسة، فقد كانت في بدايات التعليم جل المعاملات حوله بسيطة ميسرة، تخلو من التعقيد، وقد جاء التعليم النظامي في أعقاب الكتاتيب ومطوع المسجد الذي كان يعلم في حلقات محدودة وبأعداد قليلة ويقتصر على تحفيظ القرآن الكريم وكتابة آيات منه في اللوح، وربما توسع في شيء من الأدب والشعر العربي والتاريخ. ولما جاء التعليم النظامي كان في القرى أعداد من المتعلمين على الكتاتيب لا بأس بهم ممن يقرأ ويكتب ويحفظ القرآن الكريم أو بعضه، فكان مثل هؤلاء يعدون لبنة وأساساً يبنى عليه صرح الانطلاق في العلم. جاءت لجان إلى عديد من القرى تقابل المؤهلين الذين بالطبع لا يحملون شهادات، فالكتاتيب لا يمنحون شهادات، فكانت اللجان تختبر المتقدمين وتقرر قبول بعضهم ليكونوا معلمين في المدرسة، إما لتعليم الهجاء والحساب في الصف الأول أو القرآن ودروس الدين والعربي في بقية الصفوف. ولهذا قبل عدد من أئمة المساجد وغيرهم في التعليم فكانوا نعم المعلمين أمانة وإخلاصا وأبوة للطلاب. وبما أن التعليم كله ونظامه والالتزام به يعد جديدا على المجتمع، ويتطلب تغييراً كبيراً في الالتزام بالمواعيد وأداء الواجبات، والنظافة والمظهر الحسن والانتباه وتأدية الواجبات ويأخذ وقت الطالب كله فلا يستطيع مساعدة أهله والتفرغ لأعمالهم المعهودة في الزراعة وتربية الأغنام، فإنه صار ثقيلا على بعض الدارسين وأسرهم الذين تعودوا على حياة الانطلاق في القرى بين المزارع والأعمال اليدوية ومساعدة أهلهم، وكل تلك الأعمال اليدوية لا تتطلب مثل ما تتطلبه الدراسة من الالتزام والنظام. لهذا صار هناك شعور بثقل هذا النظام الجديد الذي يستمر معهم طيلة العام قراءة وكتابة وهماً لم يتعودوا ذلك ولا آباؤهم، فصار بعضهم جاداً ومتحمساً وبعضهم متذمراً يتهرب من مستقبله وما يصلحه. ومن الطبيعي أنه لا يتفق الجميع على قبول كل شيء حتى ولو كان نافعاً في مستقبل الأيام، وإلى وقتنا الحاضر والقبول أو التثاقل تجاه الدراسة والمدارس على حاله يعبر عنها أصحاب الشعر في نظمهم. يقول هذا الشاعر قصيدة يجسد فيها حالة أحد الطلاب الذين لهم حماسة في الدراسة ويريد أن تتحقق طموحاته والوصول إلى النجاح مقدما في القصيدة تصوراً لطموحه وما يمكن أن يعمله من أجل نفسه ومجتمعه فيقول : يوم ان كل ٍ منشغل بالدراسه هم ٍعلى صدره وهم فيدينه هم يحسبون السالفه بالفراسه او يحسبون ان البراشيم زينه ماني مثل قوم ٍ بَنَت كل ساسه على اعتماده عالعقول الرزينه ان ما خذيته بالتعب والحماسه مثل الصقر لامن خطف له سمينه وابوي يفخر بي ومرفوع راسه وانسى بها وضع السقوط وسنينه ماني برجال ٍ طناوي وباسه باس الاسد لامن جلس في عرينه عندي طموح اثمن من الفين ماسه يبي يتحقق باذن من شاع دينه اما اتربع فوق كرسي الرئاسه ولا اصير مهندس ٍ للمدينه و الا سفير ٍ للعرب والسياسه ولا امسح دموع العيون الحزينه يعني مثل تاجر مرتّب لباسه يلغي الفقر من النفوس الغبينه اخير من تعمير شيشة وطاسه واحد ٍ يبرر حالته في ونينه على المقاهي واقفين ٍ حراسه والوقت يمشي والعذر عارفينه تمت وشكل القاف بالصدر آسه والعجز مبني ٍ على قاف اينه مدرس جاني يرطن عليّه (قد مورننق) قلت وشبك عليه وقد بدأ القصيدة بما يعانيه بعض الطلاب من هم الاختبار فوق صدره وهم بسبب ما في يدينه من براشيم الغش ويخاف كشف المراقب لها، لكنه يقول عن نفسه أنه لا تعجبه هذه الأساليب بل يريد العصامية وشق طريقه بنفسه رافضاً الاعتماد على عقول الآخرين، وإنما يشحذ همته ولا يحتاج لطرق ملتوية وغش يحقق من ورائه نجاحاً وهمياً كما يظهر من البيتين التاليين: ماني مثل قوم ٍ بَنَت كل ساسه على اعتماده عالعقول الرزينه عندي طموح اثمن من الفين ماسه يبي يتحقق باذن من شاع دينه ولعل أحدهم نظم أبياتاً يصور حاله مع الدراسة بشيء من التذمر ويقصد تكاسل بعض الطلاب وميلهم إلى الراحة وعدم الجدية في الدراسة فقال: ياناس انا هموم قلبي كثيره وهموم قلبي ماتسعها الجزيره قالو الدراسه قلت ماهي مريحات مدرس النحو جت منه المشاكل جا وحطني مابين فعل وفاعل مره يزعلني ومره يجامل راحت حياتي بين فقرة وكسرات ومدرسين الدين لاباس لاباس يدرسون الدين والهرج بقياس الدين احبه والديانه لنا اساس ومدرسين الدين للهرج وثقات ومدرس جاني يرطن عليه (قد مورننق) قلت وشبك عليه (استاند اب) قلت وش هالبليه ما افهم على قول تقولون بالذات ومدرس جاني يشتال عقرب قال العقارب قلت مابي تقرب خل العقارب والحناشين للرب الله عليم بكل أحوال الآفات ومدرس جاني مشتال فرجار يرسم زوايا على كيف ماصار من المثلثات والزوايا والاقطار قلي تطابق قلت عشر مرات ومدرس جاني يقول الفن تشكيل يخبص في الألوان ويقول تجميل اخضر على احمر ثم يعطي تلاوين ماني متخرج اصبغ البيت بويات ومدرس جاني يقول الرياضه هوايه قلت هي غاية منايه لعب مع الشباب صبح ومسايه ليت الدراسه لعب كوره وشوتات وبالطبع لو بقينا في لعب ولهو لم نبن لنا مستقبلا ولم نحقق لنا أملا ولا تتقدم دولنا ولا ترتقي شعوبنا لكنه ينقد الوضع بشكل غير مباشر. ونختم بقصيدة أجاد شاعرها في رسالته للمعلم حيث يقول د: عبد الله الغامدي: عملاق أمتنا يا أيها البطل أنت المعلم والأستاذ والأمل يا صانع المجد يا روحًا مطهَّرةً لكَ التحيات والإكبار والقُبَل يا واقفًا فوق هام العز شامخة أركانه نهضت من وعيك الدول يا شمعة في ظلام الليل ما فتِئت تنير دربًا لمن ضلوا ومن جهلوا أنت السراج وأنت النور مؤتلق مهما تصاغرت الحساد والعذل