بعد أن قضى الإجازة الصيفية في موطنه بجانب أهله وجيرانه وذويه وبجانب والدته العجوز التي تجاوزت سن التسعين، ركب سيارته مصطحباً أفراد أسرته قاصداً العودة إلى مقر عمله وركبت إلى جانبه والدته المسنة كي يعود بها إلى أحد بيوت إخوانه فهي لا تستطيع العيش منفردة لأنها محتاجة بعد هذه السن إلى الخدمة والرعاية كان ينظر إليها بطرف عينه وحينما يرى الدمعة وهي تسيل من عينيها يزداد ألماً وحسرة، لكن لابد من الفراق ودعته وهي تمسك بيده وتشد عليها وتقول: مع السلامة يا ولدي لا أراك الله مكروهاً حينها أجهش في البكاء ولم يستطيع حتى إن يلتقظ بكلمات الوداع لها ولمودعيه. سار بسيارته ولكن كلما تذكر صورتها سالت دمعة حزينة من عينيه الرحلة طويلة وشاقة تزيد عن ألفي كيلو متر قطع أكثر من منتصفها خلف المقود وهو يتلهف إلى الوصول ليرتاح من عناء السفر ويحلم في الوصول بأسرته إلى شاطئ الأمان، كان يرقب الشمس وهي تعانق الأفق ويتمنى أن يطول العناق كي يقطع أكبر مسافة قبل أن يصبح الظلا دامساً فالطريق حينها كانت واحدة والسيارات ذاهبة وعائدة لقد كان خائفاً من نوره المبهر للنظر. لقد أصبح في منتصف الطريق بين عرعر ورفحاء وحينما سمع صوتاً قوياً مدوياً ظن أن شيئاً في سيارته قد انفجر وطار منها، لم يخطر بباله أن إطار العجلة قد أحدث هذا الصوت، رفع رجله عن دواسة الوقود ولكن السيارة المحملة بدأت تتأرجح يميناً ويساراً في الطريق حاول أن يسيطر على مقود السيارة ولكن دون جدوى حتى وصلت به إلى حافة الطريق المائلة وهنا بدأت تنقلب حينها سلم أمره لخالقه وبدأ ينتظر ماقدر له، لقد كان ينتظر سيارته حتى تهدأ وتستقر ويدعو ربه بأن ينجيه وأهله وهدأت بعد ثلاثة انقلابات بدأ يسمع أصواتاً في الخارج، الكل يسابق إلى النجدة خرج من إحدى نوافذ سيارته ولكنه لا يدري كيف خرج ولم يصدق بأنه خرج بدأ يبحث عن أفراد أسرته فرداً فرداً، هذا وائل الصغير! وهذه أخته..! وهذا..! وهذه..! حتى أكمل العدد يالها من فرحة ولكنه مازال في شك وتعجب هل صحيح أنه خرج سالماً من تلك السيارة التي حطت أخيراً بسقفها على الأرض وعجلاتها إلى السماء! وحينها حمد الله كثيراً وعادت به الذكرى إلى تلك الدمعة الحزينة الصادقة من والدته المسنة التي دعت له حين الوداع.. وبدأ يرقب ما حوله وهو مذهول! رجال الأمن يتسابقون ويقدمون أقصى ما يستطيعون، الكل على الطريق يخرج من سيارته مهرولاً نحو الحادث، الكل يتسابق حتى يساعد، الكل يريد أن يحظى بالسبق، البعض أبى إلا أن يرافق وأبى إلا أن يقدم رحلته التي يملك، وهنا تبدد حزنه فرحاً وهمه فرجاً وأيقن بأن الخير في هذه الأمة بحر لا ينضب!!