سارت عرين بخطى حذرة في ثوب زفافها الابيض عبر الأسلاك الشائكة التي تحيط بهضبة الجولان لتلتقي زوجها في الجانب الآخر من الأراضي السورية. وقبل ان تبتعد التفتت بعيون ملؤها الدمع لتلقي نظرة اخيرة على ارض مولدها التي لا تعرف ان كانت ستعود اليها يوما. ولدت عرين الصفدي قبل 24عاما في قرية عين قينيا الدرزية في منطقة تشرف على الاراضي اللبنانية والسورية على هضبة الجولان الاستراتيجية التي تحتلها (اسرائيل) منذ 1967.وقبل عدة ايام، بدأت عرين الاستعداد للرحلة التي تقودها الى سوريا حيث تتزوج اليوم الاحد ابن خالها ربيع الذي يعيش في بلدة جرمانا القريبة من دمشق. اما تحضيرات الزفاف فبدأت قبل اكثر من اسبوعين. ولدى مصفف الشعر قالت عرين "انا بالطبع سعيدة لاني ساتزوج، ولكني حزينة لاني ساغادر عائلتي". ووسط زحمة تحضيرات العرس تمكنت عرين من زيارة صالون للتجميل للعناية بزينتها وطلاء اظافرها الطويلة. ولكن رغم انشغالها وفي حين كانت اخصائية التجميل تكحل عينيها السوداوين بدا عليها القلق. "كلما اقترب الموعد احسست بصعوبة الامر. لكني احبه وهذا خياري". وأضافت "سأبدأ حياة جديدة. من الصفر". كل ما تعرفه عرين عن سوريا هو ما سمعت عنه او شاهدته على شاشة التلفزيون، وهي تعرف ان "حياتهم بالطبع مختلفة عن طريقة حياتنا". ولا يزال اهل الجولان يحافظون على تقاليدهم مع بعض بسبب التواصل مع المجتمع الاسرائيلي. التقت عرين بخطيبها في الاردن خلال لقاءات عائلة الصفدي التي تفرق ابناؤها مثل غيرهم من ابناء الجولان بسبب الاحتلال. وبات الاردن المكان الامثل للقاء بينهم. وعندما اعلنت اسرائيل ضم هضبة الجولان في 1981، رفض اهالي خمس قرى درزية بينها عين قينيا حمل الجنسية الاسرائيلية والتخلي عن هويتهم السورية. ويقول يحيى الصفدي والد العروس الذي كان يستقبل المهنئين في المنزل الذي تزينه صورة العروسين ان اسرائيل تسمح "فقط للطلبة الدروز والمشايخ بزيارة سوريا، اما نحن فلا". في اليوم المحدد للسفر، استيقظت عرين في الرابعة صباحا وتوجهت الى اشهر محل لتصفيف الشعر في بلدة مجدل شمس المجاورة من حيث خرجت وهي تضع تاجا وترتدي طرحة العرس وثوب الزفاف. كان جميع الاهل والاصدقاء مجتمعين في منزل العروس لوداعها. بكت النساء وانطلقت حناجر بعضهن بالزغاريد. ولم يتمكن بعض الرجال من مقاومة دموعهم. تم تحميل امتعتها وملابسها واغطية السرير المطرز في شاحنة سترافقها الى دمشق. وقف ابوها يحيى بعينين دامعتين صامتا في ركن من باحة البيت. قال ودموعه تخنقه وهو يشاهد افراد العائلة يقتربون منها لوداعها، "لم انم طيلة ليلة البارحة. لقد ربيتها وشاهدتها تكبر". حانت ساعة الرحيل فتحرك موكب طويل من السيارات باتجاه مركز القنيطرة الحدودي. وقف جنود اسرائيليون مسلحون يضعون نظارات سوداء على عيونهم لحمايتهم من الشمس يلتقطون صورا للعروس والموكب. حتى تتمكن من مغادرة ارض آبائها المحتلة كان على عرين ان توقع مضطرة على ورقة تقول انها تتنازل عن حقها بالاقامة في الجولان. قالت الشابة بعدما وقعت تلك الوثيقة المؤلمة "اتخلى عن حقي واعرف اني قد لا اعود الى اهلي في غياب علاقات دبلوماسية بين سوريا واسرائيل". لقد انتهت اقامة عرين في الجولان فبدأت رحلتها الجديدة عبر الاسلاك الشائكة وابراج المراقبة المموهة باللون الكاكي لملاقاة ربيع عند نقطة العبور في المنطقة العازلة بين البلدين. التفتت عرين وهي تحمل بإحدى يديها باقة زهر ولوحت بالاخرى مودعة. اجتازت عند الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا البوابة الكهربائية الصفراء التي اغلقها الجنود خلفها ببطء.