تغمر كتابات الباحثة والأديبة الدكتورة هند صالح باغفار ألواناً من التراث السعودي لاسيما ما يتعلق بالتراث في الحجاز من فنون وملابس وحرف وتقاليد فلا يمكن أن تكتب أي مادة ثقافية دون أن تشير إلى المأثورات الشعبية التي تعلقت بها منذ صغرها فرواياتها التي كتبتها صبغتها بالفلكلور الحجازي والعادات التي اشتهرت فيه. واليوم وبعد أن عكفت (12) عاماً في ورشتها بين لوحاتها وألوانها والمكائن النحت والحفر، تعود الباحثة التاريخية هند باغفار لتقدم إلى عشاق التراث في المملكة موسوعة شاملة وَسَمتَهْا ب(حضارة أمة).. انطوت على قرابة (500) لوحة تمثل الحرف والملابس والفنون والمهن التي توزعت في كل مناطق المملكة لتبرزها للقارئ حتى يدرك كيف كان الأجداد يمارسون حياتهم اليومية ومناسباتهم المتعددة. ثقافة الرياض حاورت الدكتورة باغفار بعد أن رصدت مشوارها الطويل مع هذه المأثورات والفلكلورات في كتاب (حضارة أمة) الذي صدر مؤخراً في خمسة مجلدات أبانت فيه عن تراثنا القديم في كافة المدن السعودية، فإلى هذا الحوار: * كيف جاءت فكرة الكتاب؟ وما الجدوى الثقافية والعلمية منها، لاسيما أنه مكلف ومجهد؟ - عام 2000م طلب مني الصديق الراحل عبدالرؤف خليل -رحمه الله- عبر شركتي دار هند للفنون عمل لوحات للحرف والمهن في المملكة وسألني عن العدد المتوقع فقلت يفوق (250) لوحة فاندهش جداً وهل يوجد لدينا هذا العدد من المهن والحرف وتناقشنا طويلاً في هذا ومضى دون أن نتفق ولكن بزغت الفكرة في رأسي هذا الرجل صاحب أكبر متحف ومبرة خيرية في جدة ومتخصص في شؤون التراث على الأقل الحجازي ورغم ذلك لم يصدق وجود هذا الكم من المهن والحرف فما بالنا بالآخرين مابال نشء يجيء في يوم وتغيب عنه ألوف من المعلومات وأشهد الله أن هذا الخاطر أرقني فلم أنم جيداً لأيام فكرت وقدرت ماذا بقي عندي لم أقدمه للتراث بعد التقيت بألوف الإخباريين من جميع المناطق لأوثق هذه المهن لا أفكر في بيع لوحاتي وأسعى لإنشاء متحفي الخاص كل ما جمعته من مطبوعات وأفلام وثائقية وبرامج ومحاضرات إلخ، نعم بقيت اللوحات الصورة التي تسمح للمطلع بإدراك معنى مايقال، هناك كثير من الفنانين والفنانات التشكيليين قدموا لوحات كثيرة عن التراث ولكن لم يقم أحد بجمع تراث دولة في لوحات تخضع لعناوين وبزغت الفكرة أخيراً جمع كل ذخائر التراث الشعبي لجميع المناطق في لوحات وتحرك قلمي بين أناملي يسجل البداية طرحت خمسة عناوين يندرج تحتها كل ماذكرت ومن أين أبدأ. * جهد مميز كهذا لابد أن قد اكتنفته جملة من الصعوبات والمعوقات، هل قابلت المشروع بعض العقبات؟ - قمت بتحويل مكان خارجي في بيتي إلى ورشة عمل وأعددته إعداداً جيداً بكل مايلزم وجلبت فناني دار هند وبعد اجتماع مطول أسفر الحوار عن سعادتهم بأنهم يقدمون عملاً يسعدني وقلت لهم إنه ليس للبيع لذا سوف أتحمل كل التكاليف لمدة عام وهذا ماتخيلته على أبعد تقدير.. وضعت كل البرامج المتخصصة في كمبيوتري لإعداد اللوحة المطلوبة وراعيت كافة التفاصيل والتي أجيدها بفضل الله عن كل منطقة الألوان طرق الملبس طرق لف العمائم اكسسوارات كل مهنة مسمياتها الطرز شاركت بهذه الموسوعة في مسابقة دولية وأنتظر نتائجها في يوليو القادم حولت بيتي إلى ورشة واستقدمت الفنانين على مدى (12) عاماً المعمارية نوعية البناء في كل منطقة، الخ. ألوف المعلومات التي بدأت تتبلور بمجرد أن دارت عجلة العمل ومعنا خطاط ومعنا حداد ونجار والكل مقيم في بيتي وهناك المكائن لقص البراويز وتوضيبها ومر عام وتلاه عام وسافر بعض الفنانين واستقدمت آخرين والله يشهد أني طرقت جميع الأبواب للحصول على الصور واصطدمت بالاعتذار وصادفني الكثير من المواضيع التي لا صور لها وخاصة في المهن والحرف فاعتمدت على الله وزرت أحفاد شيوخ المهن وسجلت من عدة أفراد ودونت كل المعلومات حتى خلصت بصورة شاملة بعدها قمت بتصويرها بالكمبيوتر لأني لا أجيد الرسم بالفرشاة ثم حولتها على الفنانين الذين قاموا بنقلها على لوحات التوال وكنت اكتب بالكمبيوتر اسم كل لوحة فالخطاط بنغالي ولكنه ينقل بدقة مايراه وهكذا.. وتعاقبت السنين واصبح لدي شغف جبار بهذه اللوحات مجرد أن تجهز اللوحة وتصل لمراحلها الأخيرة أقوم بتصويرها ونقل الصورة للكمبيوتر حتى لا تتوه في هذا الخضم، واستطاع التنظيم الشديد المحافظة على هوية اللوحات واندراج كل منها تحت العنوان الأكبر من ضمن الخمسة عناوين، وطبعا خلال كل رحلة وكل لقاء وكل مناسبة استفسر عن معلومات حول اللوحات وأدونها. لست أبالغ لوقت أني التقيت بألوف الاخباريين من النساء والرجال في جميع مناطق المملكة هذا فوق مراجعة الإنترنت بألوف المواقع أيضاً بالإضافة إلى كتب متخصصة في حال وجدت ألخ، وتعاقبت السنين وبدأت في شرح اللوحات وتكاثرت المعلومات من كل حدب وصوب كنت أعمل يومياً على هذه المجلدات ما لايقل عن أربع ساعات وربما ثمانية بحسب، وأعيد كل فترة تنظيم اللوحات يتم نشر لوحات كل عنوان وأقوم بمراجعتها وإعادة تصويرها وتنقيح معلوماتها والتأكد من بروازها حيث تخضع كل مجموعة بحسب العنوان لنوع لإطار موحد ثم تعاد للمستودع ونقوم بنفس الدورة مع باقي العناوين مررت بمراحل مختلفة معظمها متعب صحياً لي ومعاناتي مع كثير من الفنانين ومعاناتي في المصاريف التي لم تتوقف يوماً فقد كنت أكفلهم كفالة شاملة من إقامة لسكن لتأمين صحي إلخ، ولكني لم أتراجع صممت على إكمال الرحلة للآخر والتي انتهت بعد مرور (12) عاماً بالتمام والكمال ثم طلبت من المصورة المحترفة حصة احمد السديري تصوير اللوحات واستغرق عملها أسبوعين كاملين مع وجود فريق عمل جاهز لتجهيز اللوحات للتصوير وانتهت الحفلة الطويلة وقدر الله لي إجراء عملية قلب مفتوح في مطلع شعبان الماضي رافقها انتقالي لبيتي الجديد وانتقال الشركة لمقر جديد وتخيلت أني سوف أحظى ببعض الراحة ولكن اتصالاً من جمعية الثقافة والفنون أعاد لي دوامة العمل، رشحتني الدولة لخوض مسابقة التراث العربي لجميع الدول العربية واطلعت على معايير القبول للكتب أو الأبحاث فوجدتها مطابقة لحضارة أمة ومع قدوم رمضان الماضي كنت أجلس أمام كمبيوتري بمساندة الكثير من المخدات والمسكنات فقد كان الجرح في صدري مازال طريا وبعد شهرين أكملت توثيق المجلدات الخمسة في أكثر من ألف صفحة وعكفت على إعداد تصور كامل لإخراج الكتاب واخترت لون الصدى ليكون أرضية للغلاف، وعمل بعد ذلك فريق من المحترفين في تنفيذ أفكاري وطبع الكتاب بعد أن تمت إجازته في مدة قياسية من إدارة المطبوعات ورد من مكتبة الملك فهد الوطنية الكل كان حريصاً على اشتراك الكتاب في المسابقة وقامت مجموعة الشاعر وعلى رأسها الدكتور طلال علي الشاعر برعاية طباعة الكتاب بعد أن اخترنا له الأفخر من كل شيء نوع الورق والأحبار ألخ.. وساندتني بذلك أختي وصديقتي الدكتورة هالة الشاعر وخرج الكتاب للنور ولحق بالمسابقة برغم كل الظروف الصحية المريرة وتظهر نتائج المسابقة إن شاء الله في شهر يوليو القادم ومجرد أن أمسكت النسخة الأولى بيدي شعرت أن تعافيت وتجاوزت ثمانين في المائة من مرضي. ميلاد الحلم كان قوياً بازغاً جميلاً أقوى حتى من أوجاعي فشفيت به. * هل شمل هذا المشروع كافة مناطق المملكة بما تزخر به من تراث وفولكلور شعبي متنوع؟ - نعم يغطي هذا الكتاب جميع مناطق المملكة حاضرة وبادية وهذا هو سر إبداعه. * الكتاب يعد دليلاً مهماً لهذا المشروع ألا يمكن أن يتحول هذا الجهد الكبير إلى متحف يرفد السياحة المحلية ويقدم ملامح لحياة عاشها الأجداد؟ - طبعا تم رسم أكثر من (500) لوحة واستبعدت العديد منها لقناعات شخصية ولكن العدد المتبقي (480) لوحة ومن الصعب عرضه في أماكن متعددة لابد أن يجتمع تحت سقف واحد حتى لو تجزأ العرض تحت مظلة العناوين الخمسة ولكن بالطبع لا أفكر في بيع اللوحات متفرقة وإنما تحملت كل هذا التعب والعذاب من أجل أن يضمها متحف متخصص إن شاءالله. * كيف استطعت أن تُعرّفي ب(475) لوحة تعريفاً واضحاً يقدم للقارئ رؤيتك بكل سهولة عن كافة هذه الفنون والمأثورات الشعبية؟ - هذه المعلومات ليست وليدة ومتزامنة مع هذا الكتاب وإنما هي علم أنهل منه منذ نعومة أظفاري وحتى الآن ولا أرتوي، إنها نتاج أكثر من ثلاثين عاماً من الركض خلف روافد تراثنا العريق ولست أبالغ لوقلت إني أحفظ معظمها عن ظهر قلب دون الحاجة للرجوع إلى مراجع وهذا ما يجعل جميع محاضراتي دون أوراق وإنما من الذاكرة فقط وماينقصني بحثت عنه عبر هذا المشوار الطويل. * البعض يرى أن الكتاب بما يحمل من صور معبرة عن فكرة المعدة الدكتور هند باغفار، إلا أنها لم تستعن بأبرز الأسماء التشكيلية المعروفة في الساحة ما أسباب ذلك؟ - الواقع هدفي كان بعيداً عن استعراض أسماء لفنانين وإنما هو التزام بخطة عمل طويلة المدى وقد ذكرت ذلك بالتفصيل في كل مجلد من الخمسة مجلدات لم أكن بحاجة لأسماء معروفة ولا لتخليق منفرد ولا إبداعات متميزة ولكن كنت أرنو لأرشفة تراثنا في مختلف المجالات والتقيد المفرط بهذه الخطة وكان هناك جدول زمني لكل فنان لعدد اللوحات الشهرية التي يكلف بها بعد تسليمه الصور المنتجة بالكمبيوتر اقتضى العمل تفرغاً كاملاً لعشر ساعات يومياً طوال سنوات لم يشغل هؤلاء الفنانين شيء سوى الرسم وتكفلت بباقي مشاغلهم والحمدلله. * هل يمكن للكتاب بما يحتويه من موروثات شعبية قديمة أن يعرِّف لهذا الجيل ولزوار وضيوف المملكة كل الملامح الشعبية القديمة التي عاشتها المملكة؟ - أكيد من ليس لديه فكرة عن المملكة بتاتاً يستطيع أن يلم بجميع جوانبها ملابس فنون ألعاب طرز معمارية حرف ومهن عادات وتقاليد الخ وهذا ما أراهن عليه مع أي قارئ لهذه المجلدات. * ماذا عن مهرجاني "الجنادرية" و"سوق عكاظ" هل استفادت المؤرخة هند باغفار من جوانبها التراثية؟ - طبعا عملت في مهرجان الجنادرية عام 1996م وكنت من مؤسسي سوق عكاظ الأول عام 2007م طبيعي صورنا الحرف والمهن للنساء والرجال واستطعت الاستفادة في رسمها ولاسيما عكاظ حيث كنا نحن من ساهم في اختيارها وإعدادها وعرضها فكان هناك فسحة من الزمن للتصوير اليومي.