ثلاثون عامًا أنفقها الأستاذ طارق سندي في بحث عن أندر القطع الأثرية، فكلما وقعت بين يديه قطعة ثمينة أضافها إلى متحفه الخاص الذي تأسس في عام 1406ه. لتبلغ في مجملها حتى الآن أكثر من ثلاثين ألف قطعة تقريبا مختلفة الأحجام والأشكال والاستخدامات والزمان. معبرة في تنوعها على التراث بصورة عامة وإن كان أغلبها يركّز على تراث أهل الحجاز المنظور في أغلب المهن وبعض الأنماط الاجتماعية داخل منازلهم وحاراتهم. فلو تنقلت في باحة هذا المتحف الزاخر بالتراث ستقف على أقدم قطعة أثرية فيه ممثلة في قفل مكةالمكرمة والذي يعود تاريخه إلى العام 1110ه، وكذلك بعض الدروع والدرقات والأسلحة القديمة من سيوف وبنادق. وحتمًا سيقودك التطواف في أقسام المتحف على قسم خاص بدكاكين المهن والحرف القديمة، وهناك ستقف على ما كان يقوم به البناء، والنحّاس، والسمكري، والحداد، ومصلح دوافير القاز الحباك (صناعة الخواص والجريد)، واللبان، والفوال، والفران، والخضري، والشربتلي، والجزار، والسمان، والساعاتي، وصاحب تأجير لوازم الأفراح، والوزان، والدباغ، وغسيل وتمسيد (المكوجي)، والفخراني، والمنجد، والخياط، والسبحي، والطباخ، والنجار، وصاحب الدكان (البقالة)، والحباب، والنوال (صانع المشالح والحمودي والمصنف و...)، والحجار (صانع المحاريس والرحى)، والبندقجي، والصراف، والعطار (بائع الأعشاب الطبية)، وستأخذ نظرة في المعصرة (لعصر الزيتون والسمسم)، والشريك والحلاوة والجبن، والمجلد (تجليد الكتب)، وبائع المطاحن، وبائع الشينكو (الأواني المنزلية المدهونة والمباخر والمرشات). أما في قسم الحروف ومهن الباعة المتجولين فستتعرف على بائعي الربيان والوزف، والآيسكريم، والسمسم، والكبيبة، والفلة ورأس القلة، والأقر منيز، والمنفوش، وحلاوة مطو، والشَرِشُو، والبليلة واللوبيا، والبسبوسة، والنعناع والحبك والدوش، والجراد، والنبك، ودجاج البر، والسقا، والعرقسوس، والقهوة، والزمزم، بجانب بائعي اللبان الشامي واللامي، والفرقنا (بائع الأقمشة)، واللبن، واليغمش والمنتو.. كما ستأخذ لمحة من عمل من يقومون بسن المقصات والسكاكين، ومصلحي دوافير الغاز، وقصاصي الغنم. كذلك خصص سندي قسمًا اشتمل على بسطات الحارة ممثلة في الخراز (الإسكافي)، والمزين، والخراط (نصبات الشاهي والقهوة)، والخضري، والعطرجي، وبائع المساويك والأراك والبشام، وعلى مستوى الأنشطة الاجتماعية هناك قسم للملابس النسوية وتنظر في البرقع والملاية والمدورة والجامة، مضاف إليها الحلى النسائية مثل الرشرش والخلخال والمعاضد والأقراط و غيرها مما كانت تتزين به النساء قديمًا. ومن معروضات المتحف كذلك هناك أدوات «الكُتّاب» الذي كان يُتخذ مدرسة لتعليم القرآن ومبادئ اللغة العربية، ومن بين الأدوات المستعملة فيه الألواح والمحابر والأقلام وما يتعلق بهذا الجانب في ذلك الوقت، ثم قسم الصحف والمجلات بعرض لأعداد قديمة من صحيفة حجاز وصحيفة الحجاز ومجلة الإذاعة وغيرها من الإصدارات الرائدة في مجال الصحافة، وقريبًا من ذلك قسم للطوابع البريدية بحقبها القديمة وبأنماطها المتعددة، وجزء لعرض مستلزمات السنترال والمورس وتلفونات الهندل، والعملات السعودية النادرة سواء كانت معدنية أو ورقية ولمحة من صور الماضي ممثلة في مجموعة من الصور الفوتوغرافية للحرم المكي وأحياء مكة، كذلك احتوى المتحف على عرض للأجهزة السمعية مثل الشنطة والبكم والريل والراديو وعرض كذلك للأسلحة القديمة من بنادق أثرية وسيوف ودروع ودرقات وخناجر وحراب وأقواس وسهام، وهناك قسم للبيت المكي بشكله التراثي القديم وفيه المقعد والمبيت والمركب وبيت الماء والديوان والدقيسي وحنية الفحم والمخلوان والطيرمة والصفة والدهليز والحوش، ثم مستلزمات البستان من أدوات الفلاح والبئر. ولم يغفل صاحب المعرض أن يعرض نماذج لألعاب الحارة من العربات والجنوط والكبوش والبرجون الحجري والمراجيح وغير ذلك، بجانب قطع نادرة متفرقة منظورة في الكاميرات والأدوات الطبية والأحجار المنقوشة والمقلميات، ومما يستعمل في القهاوي من البراريد والدلال والمراكيز (كراسي الشريط) وغير ذلك مما حواه المتحف. ولن تجد غير صاحب هذا المتحف طارق سندي ليكشف لك عن الطريقة التي اقتنى بها قطع هذا المتحف وهدفه من ذلك، وأبرز الذين زاروا متحفه، وأهم مشاركاته على المستوى الوطني. فحول طريقته في اقتناء قطع هذا التحف يقول سندي: بعض من هذه القطع ورثته مما تركه لي والداي رحمهما الله ومن الأقارب ومن الأصدقاء، أما البعض الآخر فقد حصلت عليه بحر مالي عن طريق الشراء من أسواق الخردة ومحلات بيع الآثار والتراث من مختلف مناطق المملكة العربية السعودية. ومنذ أن تكوّنت لدي حصيلة جيدة من القطع الأثرية عمدت إلى تنظيمها في هذا المتحف هادفًا من ذلك إلى الإسهام في تعزيز مكانة وحب المملكة العربية السعودية في نفوس ضيوف وزوار بيت الله الحرام على مدى التاريخ من خلال إبراز العمق الحضاري لمكةالمكرمة كإحدى أقدس مدينة في العالم شرفت المملكة العربية السعودية بعظيم رعايتها وحنكة تطويرها، وأيضًا الإسهام في تذليل جمود بعض العادات والتقاليد السلبية لدى جيل الشباب تجاه بعض الحرف والمهن الشريفة التي أتقنها أجدادهم العظماء عبر تاريخ المملكة العربية السعودية ولها دور في مساعدة العلماء والباحثين والدارسين في أعمالهم البحثية والدراسية.. ولتحقيق هذه الأهداف النبيلة جعلت أبواب المتحف مفتوحة أمام الزائرين مجّانًا، فتوافد عليه في أوقات الزيارة المحددة من الساعة الخامسة عصرًا إلى الساعة العاشرة مساءً يوميًّا طلاب العلم، ومحبو التراث والآثار والباحثون في أعمالهم البحثية. ويمضي سندي في حديثه مشيرًا إلى أهم وأبرز الشخصيات التي زارت المتحف، قائلاً: لقد تشرّف هذا المتحف كثيرًا بزيارة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبدالعزيز -رحمه الله- حيث قام بافتتاحه في مدرسة أبي زيد الأنصاري، كذلك تشرفت أيضًا بزيارة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز -رحمه الله، وكان قد قام بافتتاحه بملاهي الحكير بمكة، ثم زيارة الأمير عبدالعزيز بن فهد وذلك في مهرجان الأحساء، وزيارة وزير المعارف السابق الدكتور محمد الرشيد إبان مشروع مكة للإنشاء والتعمير. ومن الشخصيات التي زارت المتحف الدكتور محمد عبده يماني، والشيخ أجواد فاسي، والفنان طلال مداح -رحمه الله، والفنان طارق عبدالحكيم، والشاعر إبراهيم خفاجي، والفنان سعيد بصيري -رحمه الله، والشيخ عبدالرحمن فقيه، والشيخ عمر قاضي، وغيرهم كثير من الشخصيات البارزة في المجتمع. وأذكر أني حاولت نقل المتحف لعرضه في الجنادرية ومواقع أخرى في عام 1410ه ولكن أحد المسؤولين أخبرني هناك أنه لا توجد مساحة كافية لمتحفي لديهم، وسأقوم بنقل متحفي إلى المكان اللائق به والذي سيتسع لجميع المقتنيات لعرضها بطريقة أفضل عندما أجد الدعم الذي يمكنني من إتمام ذلك، كما أني لم أتجه لوزارة المتاحف والآثار لدعم متحفي وذلك بحكم عملي ووقتي، ولكن لا أعتقد أن الوزارة لديها مانع في دعمي وتشجيعي. وللعمل كذلك لم أفكر إطلاقًا في بيع بعض المعروضات في المتحف، بالرغم من أنه قد أتت لي بعض العروض المغرية لذلك، ولكني أعتبر كل قطعة جزءًا مني لا يمكن التنازل عنه لأي سبب من الأسباب، ولعل اهتمامي بهذا الجانب دفعني للتعاون مع المتاحف الأخرى، حيث إن البعض يستشيرونني في ترتيب متاحفهم وتنسيقها سواء في مكة أو في الطائفوجدة. ويختم سندي بالإشارة إلى أبرز المعارض التي شارك فيها بمعروضات المتحف قائلاً: شاركت بمقتنيات هذا المتحف في العديد من المعارض من أبرزها؛ مهرجان الربيع الأول بمكة عام 1415 ه، واليوبيل الذهبي لنادي الوحدة بمكة عام 1417 ه، ومدرسة أبي زيد الأنصاري لتحفيظ القرآن بمكة عام 1417 ه، وملاهي الحكير بمكةالمكرمة (فن تاون) 1422ه، ومهرجان مكة خير بمكة عام 1423 ه و1424ه، ومهرجان الأحساء في عام 1424 ه.