ارتبطت المرأة العربية بالتراث اللامادي عبر الحكاية الشعبية والمأثور الشفاهي والثقافة التقليدية ، ونجد نساء عربيات معاصرات حاولت كل بطريقتها وأسلوبها والموقع التي تحتلّه أن تحمي هذا الموروث الشعبي إما بجمع الحكاية الشعبية الشفاهية أو بالدراسة والتحليل والتوثيق، وكذلك من النساء السعوديات الباحثات والمهتمّات ممن يستحققن التكريم والتقدير نتيجة ماقدّمنه في خدمة الموروث الشعبي . ولعل من الجميل أن يتزامن تكريم الدكتورة هند باغفار في مجال التراث من قبل وزارة الثقافة والإعلام على ضوء فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب، مع يوم المرأة العالمي ليكون مشهد الموروث الشعبي عبر امرأة سعودية مواكبة لليوم العالمي! وهي أول سيدة عربية تحصل على الدكتوراه في التاريخ والفلسفة من الأكاديمية العلمية الدولية التابعة لهيئة الأمم في مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة ، حصيلة سبع دراسات وأبحاث تعنى بدراسة مختلف جوانب الموروث الشعبي في البادية والحاضرة بجميع مناطق المملكة، وترجمت دراساتها إلى اللغة الإنجليزية، كما ترجمت لها برامج حول الموروث الشعبي والثقافة التقليدية وعرضت في مؤتمرات عالمية وأخذت جوائز عليها، ولها كتيبات حول التراث السعودي، وكتاب "الاغاني الشعبية في المملكة العربية السعودية" من سلسلة موسوعة عن الفن الشعبي، وقد اعتمد كتابها هذا كمرجع أوّل في الفنون الشعبية في المملكة وقدّمته جمعيات الثقافة والفنون كهدايا في مؤتمرات الأغنية العربية، ولها رواية بعنوان "رباط الولايا" تحدّثت فيه عن عادات وتقاليد النساء في الحجاز . وقد قدّمت باغفّار مئات الاحتفالات والمحاضرات الأدبية عن الموروثات في الحجاز وأماسٍ حجازية عن العادات والتقاليد، وعروض الأزياء الشعبية بمختلف الجهات والمدن داخل المملكة خلال سنواتٍ طوال، كما قدّمت أول مهرجان نسائي في الجنادرية بعنوان "تراث ماقبل الإسلام والمنطقة الغربية حاضرة وبادية" ، ومن خلال ماتملكه من الثروة كونها سيّدة أعمال ساهمت في إنشاء أوّل مصنعٍ عام يعنى بإحياء التراث الشعبي السعودي عبر مختلف أنواع الفنون اليدوية واستقطبت له كوكبة من خيرة الفنانين العرب والأجانب عام 1990م حيث تمتلك اكثر من خمسة عشر ألف قطعة أصليّة محفوظة . أما في مجال صناعة الأفلام فقد قامت بعمل أفلام وثائقية تعنى بالموروث الشعبي السعودي عن الأعراس والملابس النسائية والحلي الشعبية، كما قامت بعمل توثيق لمواد التراث الشعبي عبر مختلف البرامج التلفزيونية، وبتوثيق وأرشفة كاملة لمئات اللوحات الفنّية الخاصة التي تصوّر التراث الشعبي السعودي من جميع مناطق المملكة تمّ تحويلها إلى لوحات زيتية. وفي لقاءٍ لها مع الإعلاميّة هالة حكيم نوّهت إلى أن التاريخ والجغرافيا يشكلان العطاءين الرئيسيين للتراث، وأنها أصيبت بجنون التراث منذ الصغر، وترى نفسها سجينة للأدب والفنون والتراث، حيث قامت برحلة طويلة في ربوع الوطن لجمع مئات الموروثات الإنشادية، وسجلت السبق في أنها الكاتبة الوحيدة التي سجّلت التراث عن كل منطقة بتفاصيلها في المملكة، حيث سجّلت التراث الإنشادي والغنائي الشعبي في سبعة أجزاء، حيث ترى أن بوادي المملكة تزخر بكم هائل من التراث القديم. واستطاعت الإلمام بالموسيقى التراثية عبر الأهازيج والأناشيد الشعبية، وقد اختصّت بجمع الموروثات في المملكة، وهي تحفظ من الألحان الشعبية الكثير، لكن أكثر ما جذبها هو الموروثات الحجازية مثل المجرور والدانة والحدري والثرا التي عشقتها منذ طفولتها، وأنها لم تعد تكتب بل كلها من القديم اللواتي عرفت منذ ألف عام، وأن الحدري أتى من "حدر" أي من أسفل جبال الطائف من مكة ، وكان اسمه "الفرعي"أو "فرعن" ثم أنشئ المجرور في الطائف، وقد تعلّمت بحورها وأساميها الكاملة بالتفصيل، وهي تبحث عن كاتب نوتة لها، وليتها تبحث عن من يرجع تلك النصوص الشعبية إلى أصولها التفعيلية وأوزانها الشعبية.