الأيام التاريخية في حياة الأمم والشعوب قد تكون قليلة بل ونادرة والزعماء التاريخيون هم من يكونون مساهمين في صناعة هذه الأيام التاريخية، ولا شك أن زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للصين كأول دولة يزورها بعد تولية الحكم كان حدثاً تاريخياً سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي وذلك لأمرين هامين في تاريخ العلاقات الدولية وهما: إيجاد التوازن في العلاقات الدولية بين الشرق والغرب بعد أن تأخرنا كثيراً في ذلك. التنبؤ بالمستقبل القادم للشرق وخاصةً الصين وهو ما صدقته الأحداث هذه الأيام بعد أن أصبحت الصين احدى القوى السياسية والاقتصادية العظمى في العالم معتمدة على ارث حضاري وتاريخي وثقافي لآلاف السنين.. ولهذا استطاع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أن يوجه "البوصلة" شرقاً مع الإبقاء على البوصلة الأخرى غرباً، ومنذ ذلك التاريخ وحتى هذا اليوم قطعت العلاقات بين المملكة والصين شوطاً ضخماً في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وقد جاءت زيارة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع نائب رئيس مجلس الوزراء لتكون يوماً تاريخياً آخر خالداً في مجال العلاقات بين الشرق والشرق ومؤكداً على استمرار استراتيجية المملكة في الاستمرار على التوازن في العلاقات الدولية وواضعاً بصمته السياسية والتاريخية في الانطلاقة الثانية للعلاقات بين المملكة والصين ورعايتها ومدها بموارد البقاء والنمو والاطمئنان على استمرار اتجاه "البوصلة" شرقاً بعد أن خشي كثير من المراقبين أن تكون قد تأثرت بما تواجه من رياح عاتية محملة بالغبار النووي أو الكيميائي تسود العالم وتتأثر بها منطقتنا في الشرق الأوسط. لقد جاءت الزيارة التاريخية للأمير سلمان أمير المؤرخين وأحد القادة التاريخيين الذين ساهموا في صناعة التاريخ الوطني من عهد المؤسس رحمه الله وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في وقت مهم ومنعطف تاريخي يمر به العالم من حولنا وليكون أول قائد سياسي ووزير دفاع يقوم بزيارة للصين في عهد القيادة الصينية الجديدة والتي أكدت أن علاقتها مع المملكة علاقة استراتيجية وأنها تنظر للمملكة على أنها الدولة الوحيدة التي لها مكانتها السياسية والاقتصادية والدينية والاستراتيجية في العالم العربي وعلى مستوى دول الشرق الأوسط بشكل عام، وقد قابلتها المملكة بمثل ذلك وهو ما أكده الأمير سلمان في لقائه بالزعيم الصيني. لقد شهدت هذه الرحلة التاريخية الثانية من الرجل الثاني بعد الرحلة الأولى لخادم الحرمين الشريفين أمرين هامين يسجلهما التاريخ هما: أولاً: الاطمئنان على الزرع التي تم بذره في الرحلة التاريخية الأولى لخادم الحرمين الشريفين حفظه الله. ثانياً: الانطلاق بالعلاقات الدولية بين البلدين الصديقين إلى مجال أرحب وأوسع وتوقيع اتفاقيات جديدة في المجال السياسي والاقتصادي والتجاري والاستثماري والدفاعي والثقافي، وتصحيح بعض المسارات الاقتصادية بين البلدين فيما يتعلق بالاستيراد والتصدير ورفعها إلى مستوى أعلى من الكفاءة والجودة والالتزام بالمعايير العالمية من كلا الجانبين. إن الأيام الثلاثة التاريخية في زيارة الأمير سلمان للصين تعرف بما حققته الآن وفي المستقبل، كل يوم تاريخي يختلف عن الآخر. إن كل يوم من الأيام التاريخية الثلاثة في زيارة الأمير سلمان للصين ليقول هأنذا أهم يوم ويحق لكل يوم أن يفتخر بما تحقق من انجازات ولكن يبقى اليوم الأخير والساعات الأخيرة هي "مسك الختام" تجلى على محيا سمو الأمير سلمان وهو يلتقي بأبنائه الطلبة المبتعثين ليقول لهم بكل حب وصدق إن الزراعة الحقيقية هي فيكم هي التي ستبقى للزمن والتاريخ أنتم الجيل القادم الذي يعول عليكم في بناء وطنكم، وكأنه يقول لهم أنتم يا طلبة الصين والشرق تتميزون عن الآخرين باقتحامكم مجالاً لم يسبق لأحد من قبلكم وتعلمتم لغة غير لغة الغرب واكتشفتم تاريخاً وحضارة لها آلاف السنين. لقد كانت لحظة تاريخية في عمر الشعوب أبكت عيون ممن يرى ابناءه في تلك الأصقاع البعيدة بين يدي سمو الأمير سلمان ولقد كنت أنا واحدا من هؤلاء الذين فرحوا بهذه اللحظة التاريخية وايضاً ممن حزن لأنه لم يكن موجودا معهم. كنت أتمنى أن أكون ممن صافح الأمير سلمان – لأعيد الذكرى العظيمة بالنسبة لي حينما صافحته وتسلمت من يده شهادة التخرج في منتصف التسعينات الهجرية السبعينات الميلادية. كنت أتمنى أنني كنت من الذين صافحوا الأمير سلمان لأقول له يا سمو الأمير لقد صافحتك قبل 40 عاماً، والآن أبنائي في الصين يصافحونك. كنت أتمنى أنني كنت من بين هؤلاء لأقول يا صاحب السمو إن ابناءك الطلبة في الصين قد وصل عددهم إلى 1200 طالب، وأن حكومة خادم الحرمين ووطني شرفاني بخدمتهم كأول ملحق ثقافي بالصين عام 2008م وعشت 4 سنوات من عمري بينهم من أسعد وأعظم أيام حياتي على الرغم من أن مرحلة التأسيس صعبة جداً وكانت رعاية وعناية حكومة خادم الحرمين الشريفين ووزارة التعليم العالي وسفارة خادم الحرمين الشريفين في بكين وأولياء الأمور وهمة وعزيمة أبنائك الطلاب كان لها الأثر الضخم في ما رايته على وجوههم في لقاء الليلة الأخيرة والتشرف بالسلام عليكم.. لقد كنت أتمنى أني كنت موجودا لأخبرك يا سمو الأمير بأن أبناءك الطلبة قد وجدوا كل قبول ومحبة من المجتمع الصيني وقد حازوا على المراكز الأولى الذهبية في مهرجان الجامعات الخاص بحضارة وثقافة الشعوب وحوار الحضارات والسلام. لقد كنت أتمنى أن أكون موجودا لأطمئنك يا سمو الأمير بأن أبناءك الطلبة في الصين كانوا – كما طلبت منهم – سفراء يفتخر بهم الوطن ويفتخرون بدينهم وبوطنهم وبولاة أمرهم وكانوا يشاركون في جميع الأيام الوطنية وكانوا ولله الحمد يمثلون قمة التسامح والوسطية والشهامة والأخلاق العربية والإسلامية. لقد كانوا يا سمو الأمير – حقاً يرفعون الرأس – ليس لأنهم بمثابة ابنائي وأحبهم من كل قلبي بل يشهد على ذلك شهادات التميز التي حصلوا عليها من جامعاتهم. لقد تمنيت ان أكون موجوداً يا سمو الأمير لأبلغك بأن طلبة الصين ازدادوا ثقة بأنفسهم وفخراً واطمئناناً على مستقبلهم وهو يرون التحاق حفيد خادم الحرمين الشريفين وهو الأمير محمد بن فيصل بن عبدالله ثم يتبعه اخوانه وأبناء الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز، وكانت عملية الإقناع صعبة عانيت منها في البداية ولكنهم الآن على وشك التخرج ولله الحمد، وهم اول من جاءوا بتوصية من والدهم خادم الحرمين الشريفين، وأتمنى أن أرى أحد أحفادك يوماً ما قد التحقوا بالدراسة بالصين. لقد كنت أتمنى أنني كنت هناك لأنقل لك ما لمسته من اهتمام الصين بالعالم العربي بشكل عام والمملكة بشكل خاص وذلك حينما أدخلوا مقرر اللغة العربية، في التعليم العام الثانوي لأول مرة في التاريخ الصيني وشرفوني من بين الملحقين العرب بافتتاح هذا الفصل وكنت أتمنى ان الطلبة الخمسين الصينيين تشرفوا بالسلام عليك ولأن يوجد يا سمو الأمير أكثر من 40 قسماً أكاديمياً لتدريس اللغة العربية بالجامعات الصينية وأحد اساتذة اللغة العربية حصل على جائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة ولقد وصلت العلاقات الثقافية إلى أبعد مدى ولله الحمد وكانت البداية بهدية خادم الحرمين الشريفين بإنشاء فرع لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة بجامعة بكين، وبإنشاء الملحقية الثقافية عام 2008م، وبزيارة معالي وزير التعليم العالي ومعه عدد كبير من مديري الجامعات السعودية وتوقيع أكثر من 35 عقدا علميا مشتركا مع الجامعات الصينية من تقنية النانو إلى أشهر العمليات الجراحية، وقيام بعض المؤسسات العلمية والثقافية كوزارة الثقافة والاعلام ومؤسسة الملك فيصل ومركز الملك عبدالله الدولي لنشر اللغة العربية وغيرها من المؤسسات الأخرى بنشر الثقافة العربية وإنشاء أقسام اللغة الصينية في جامعة الإمام وجامعة الملك سعود، وإدخال مادة تاريخ الصين والشرق الأقصى ضمن مواد التاريخ في جامعة الإمام وقد شرفتني الجامعة والقسم بأن أكون استاذا لهذه المادة. وختاماً كنت أتمنى أن أكون موجودا لأتشرف بالسلام عليك لأقول كلمة واحدة فقط إن المقولة التاريخية " أطلب العلم ولو في الصين " قد تحققت في هذا العهد الزاهر برعاية وعناية واهتمام من قبل خادم الحرمين الشريفين متعه الله بالصحة والعافية، ومن قبل سموكم والنائب الثاني، ومعالي وزير التعليم العالي ونائبه، وسفير خادم الحرمين الشريفين بالصين. أدام الله على بلادنا نعمة الأمن والأمان إنه سميع مجيب. * الملحق الثقافي السعودي الأول بالصين سابقاً