حالة من الزخم اللامتنهي في العلاقات بين الرياضوبكين، فالبلدين لم تنشأ علاقاتهما في إطار اعتيادي، بل كانت لحظة دقيقة عندما اختارت المملكة شريكاً عسكرياً لم تقم معه علاقات دبلوماسية بعد. الحالة التي نشأت فيها العلاقات بين المملكة وبكين لم تكن حالة طبيعية وهذا ما يميزها حتى الآن، فالبلدان مستمران في تقديم المفاجآت وتحطيم ارقام الاقتصاديين، الذي ما انفكوا يضعون ارقاماً وتوقعات حول التجارة بين البلدين، وقبل أن تنقضي المدة التي حددها خبراء الاقتصاد، نجد أن الجانبين قد تجاوزا هذه الارقام بعيداً عن التوقعات. ماذا يريد البلدان من بعضهما؟ لا يجب أن نتساهل بمليون برميل بترول تصدره المملكة يومياً إلى الصين المتعطشة للنفط، لتضيء به أبراج شانغهاي وغوانزو الشاهقة، لكن يجدر بنا أن لا يكون ثمن تلك الحاويات الأموال فقط، الواقع أن للصين دور بارز في كثير من القضايا الاقليمية والدولية، إن اليد الصينية التي تبدو ناعمة في مظهرها إلا أنها تتحكم بخيوط كثيرة في عدد من البلدان الضعيفة والقوية على حد سواء، فهنالك الكثير من القوة لدى الصينيين في أفريقيا بدءاً من سواحل القرن الافريقي مروراً بأثيوبيا وجنوب السودان ومصر وحتى أواسط افريقيا حيث عدد من الدول الاسلامية وحيث لا يقارن ما تقوم به حكومة بكين من شق للطرق والسكك الحديدية وبناء المستشفيات والمدارس بما نقوم به عن طريق المؤسسات المدعومة من الحكومة او الجمعيات الخيرية، إن من شأن تفاهمات مع الصين خارج نطاقنا الاقليمي أن تؤتي ثمارها على المدى الاستراتيجي. في المقابل تراقب بكينالرياض بشكل دقيق جداً، فهي معجبة بالأداء السعودي السياسي المتأني والمتعقل وسط شرق أوسط مشتعل، وهذا ما يريح الصينيين كثيراً إذ يعانون من سياسات بعض الدول التي يعملون فيها حول العالم، وهو ما يضعهم تحت ضغط دائماً، و يخضع إستراتجياتهم دوماً للتغيير. المملكة بالنسبة للصين ليست فقط مصدراً للنفط بل جيوغرافية مهمة لطريق الحرير، الذي ترغب بكين في ازدهاره ليكتمل بعد ذلك مرورها إلى العالم الجديد، ودون دور للمملكة سيكون من الصعب أن يرى هذا الطريق النور، والدور هنا لن يكون جغرافياً بل جيوسياسي. هل العلاقات السعودية – الصينية محصنة؟ بالرغم من مرور كثير من الازمات في المحيط الاقليمي، أظهرت العلاقات بين البلدين الكثير من المنعة والمقاومة، لكن التغيرات التي مرت بالشرق الأوسط في اطار ما يسمى "الربيع العربي" كان محكا حقيقيا واختبارا صارما لصلابة هذه العلاقة، وللحق فإن الرياض لم تكن مرتاحة كثيراً للدور الصيني في مجلس الأمن فيما يخص الأزمة السورية، وهذا أمر جد مهم بالنسبة للمملكة يجب أن تراعيه في إطار العلاقات السعودية – الصينية على المدى الاستراتيجي، بوادر الاحتقان تمت معالجتها بين الجانبين، لكن الأهم هو إعطاء الحصانة التامة لهذه العلاقة لما هو أكثر فتكاً وأشد ضراوة، وإن كانت الأزمة السورية في شكلها المآساوي لا تتكرر في التاريخ إلا نادراً إلا أن الأزمات هي سمة دائمة في المنطقة. الملفات الساخنة بين الرياضوبكين فرضت الجغرافيا دورها في العلاقات بين البلدين، فبالرغم من البعد المكاني بين المملكة والصين، إلا أن لكليهما أهمية قصوى في موقعه الاقليمي، فالصين التي تشترك في حدود طويلة مع دول إسلامية عدة هي كازاخستان وباكستان وطاجكستان وقيرغيزستان، تدرك التأثير الكبير والدور القيادي الذي تمتلكه المملكة بسبب مكانتها الدينية والسياسية والاقتصادية. أهم الملفات التي توليها الصين اهتماماً خاصاً هو التعاون الأمني فالصين التي تدرك تماماً واقع حدودها الجنوبية الغربية مع باكستان امتداداً إلى افغانستان والخوف من نشاط إرهابي هناك يؤثر على سواحلها الجنوبية المزدهرة حيث الموانىء، سارعت للاستفادة من الخبرات الامنية للمملكة في مواجهة الارهاب، بإمضاء اتفاقية أمنية يكون أحد جوانبها المهمة تبادل الخبرات البشرية والمعلوماتية، ويدعمها في ذلك قوة التعاون السعودي الباكستاني في هذا الجانب تحديداً، ونظراً لتميز العلاقات بين بكين واسلام اباد، فإن من شأن ذلك إكساب التعاون بين هذه المجموعة قوة نوعية لمواجهة أي هجمات محتملة. أحد أهم الملفات المزعجة للولايات المتحدة هو التعاون العسكري بين الصين والمملكة، فمنذ صفقة صواريخ رياح الشرق وواشنطن تراقب الصفقات التي تقوم بها بكين في المجال الدفاعي، وتتوجس من أي زيارة يقوم بها مسؤول سعودي إلى بكين والعكس، وتحاول جاهدة استقصاء المعلومات حول أي بوادر لتعاون عسكري من شأنه الإخلال بموازين القوى في الشرق الاوسط والذي ترجح به إسرائيل، وتتحكم به الولاياتالمتحدة إلا أن وزير الخارجية الصيني وانغ لي وعندما كان يزور المملكة قبل بضعة أشهر، أبلغ الإعلاميين دعم بلاده للمملكة من أجل امتلاك قوة دفاعية قوية تحمي مصالحها. من أكثر المواضيع الشائكة بين الرياضوبكين علاقة الأخيرة بطهران التي ترى المملكة أن تدخلاتها السياسية في الشرق الاوسط لا تؤتي ثماراً. بل إن المملكة تعدها جزءاً من المشكلة وليست جزءاً من حلها، فبالاضافة إلى التدخلات الايرانية في الشؤون الداخلية، هنالك الملف النووي الايراني الذي تلعب الصين دوراً في معالجته كونها عضو في مجموعة (5+1)، إلا أن بكين التي تستورد النفط من طهران، تعمل باتجاه منع أي عقوبات من شأنها الاضرار بواردتها، وبالرغم من إدراك المملكة لتلك المسألة إلا أنها لا تريد أن ترى الصين، وقد تخلت عن دورها الدولي في الحد من أسلحة الدمار الشامل وخصوصاً في منطقة الشرق الاوسط التي تعيش أزمات متتالية.