أخيراً مسؤول صيني رفيع من حكومة الرئيس شي جينبيغ في الشرق الأوسط. كان يانغ جيتشي آخر وزير خارجية صيني يزور الرياض قبل ثلاثة أعوام. واليوم تأتي زيارة الوزير وانغ يي في ظل تصاعد الأزمات في المنطقة الحيوية لدى الصين؛ فالمملكة التي تعتبر شريكاً استثنائياً للجمهورية الشعبية، تصدر أكثر من مليون برميل نفط يومياً إلى الصين، وليس بالبترول وحده تحيا العلاقات بين البلدين، فالجانبان أصبحا على تقارب كبير منذ احتدام أزمات "الربيع العربي" ، وإن كان بدا أنهما مختلفان، خصوصاً بعد "الفيتو" الصيني في مجلس الأمن، إلا أن البلدين سرعان ما تجاوزا تلك الأزمة العابرة. يأتي وزير الخارجية الصيني من خلفية اقتصادية، وبالرغم من ذلك فقد تقلد مناصب سياسية دبلوماسية حساسة في سفارة بلاده في طوكيو وآخرها مسؤوليته عن شؤون تايوان في مجلس الدولة. زيارة وانغ يي إلى المملكة تحمل دلالات كبيرة. فبكين التي قدمت مبادرة سلام فلسطينية – إسرائيلية قبل أشهر غابت عن المشهد السياسي في المنطقة لعامين تقريباً، نتيجة لتعقيدات الموقف، إذ تدرك أن إمكانية لعب دور فاعل في الأزمات الحالية مغامرة تحتمل الخطأ أكثر من الصواب والخسارة أكثر من الربح، لذا تركت الأمر للمخضرمين واشنطنوموسكو، إلا أن توقيت الزيارة يحمل معه تأويلات عدة أبرزها الحالة التي تمر بها العلاقات السعودية – الأميركية ، والخليجية – الأميركية بشكل عام، في إطار التقارب والاتفاق النووي الأخير بين طهران والقوى الكبرى. تشعر بكين التي تطمح إلى البقاء قريبة من منابع النفط والغاز في الخليج والشرق الأوسط وتأمين وصولها إلى البر الصيني، وترى أن الفرصة مواتية لمزاحمة الأميركيين في المنطقة الذين بدأ التململ يتسرب في نفوس حلفائهم جراء سياستهم غير الواضحة في المنطقة. وعندما نصف البترول بأنه القلب النابض للعلاقات السعودية – الصينية، فإن ملفات أخرى لا تقل أهمية عنه. فالصين ترى أن بالإمكان توسيع المحادثات بينها والمملكة في عدة ملفات وعلى رأسها الملف الدفاعي، فالبلدان لديهما رغبة في التعاون في هذا المجال، خصوصاً أن الصين تراقب منذ فترة تطور الأحداث وانعكاساتها على العلاقات الخليجية والأوسطية – الغربية، وهو أمر حدا بمصر على سبيل المثال إلى إحياء خط القاهرة - موسكو الذي يعلوه "الصدأ". والأمر كذلك ينطبق على بعض دول الخليج التي تتفاوض مع موسكووبكين بالتساوي للقيام بصفقات دفاعية. ولعل آخر ما جنته الصين في المنطقة حصولها على صفقة صواريخ من أنقرة التي تعتبر القوة العسكرية الثانية في (الناتو) بعد الولاياتالمتحدة. الملف الآخر هو ملف الطاقة النووية. فمع تطلع دول الخليج والشرق الأوسط لتنويع مصادر الطاقة لديها خصوصاً مع إنجاز الاتفاق الأخير بين القوى الكبرى وإيران والذي يعترف صراحة بحق طهران في التخصيب، فإن الصين التي تحظى بسمعة جيدة في مجال تطوير الطاقة النووية قد تسهم مباشرة أو عن طريق التعاون مع الشركات الدولية وخصوصاً الفرنسية التي تعمل منذ فترة طويلة لاستهداف سوق الطاقة النووية في المملكة التي تعمل على اعتماد الطاقة المتجددة والمخصص منها للاستخدامات السلمية من أجل تخفيف الضغط على استهلاك النفط. وفي أوائل هذا الشهر قال رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ في مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي جان مارك ايرول أن باريس وبكين اتفقتا على الاستغلال المشترك لأسواق الطاقة النووية لأطراف أخرى، وأن الصين تأمل أن تتمكن الدولتان من العثور على مجال أوسع في الأسواق. سياسياً يبدو الملف السوري حاضراً على أجندة اللقاءات التي سيعقدها وزير الخارجية الصيني وانغ يي خصوصاً فيما يتعلق بانعقاد مؤتمر "جنيف 2" الذي تعول على إنجاحه روسيا حليفة الصين. ولا شك أن الثقل الصيني الدولي يمكن أن يسهم إيجاباً في مجال الوصول إلى اتفاق ينهي هذه الأزمة التي يبدو أنها مرشحة لتصبح مزمنة. ولعل الوزير وانغ يي الذي أوكل له ملف تايوان الحساس، قادر بدينامكية الاقتصاد الصيني على لعب دور أكبر في هذه القضية. إضافة إلى الملف السوري، سيناقش بالضرورة الوزير الصيني مع المسؤولين في المملكة اتفاق جنيف النووي، خصوصاً أن بكين إحدى الدول التي أمضت هذا الاتفاق، وينتظر أن يبعث المسؤول الصيني بتطمينات حول هذا الاتفاق الدولي، خصوصاً أن بكين أكثر المستفيدين من رفع العقوبات على ايران، الأمر الذي سيسمح للأخيرة باستئناف تصدير النفط إلى الصين، ويسمح لمعاودة النشاطات الاقتصادية التي تأثرت كثيراً خلال العقد المنصرم.