لم أستغرب اهتمام الدوائر الصينية السياسية والاقتصادية بزيارة سمو ولي العهد إلى الصين اليوم، حيث أكد العديد من الفعاليات التي التقيت بها على حرص بكين على تعزيز روابط الصداقة مع المملكة في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والتجارية وإيصالها لمرحلة الشراكة الاستراتيجية المتنوعة والسعي الحثيث للعمل على إرساء الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتعزيز الحوار السياسي لإيجاد عالم خال من النزاعات. العلاقات بين المملكة والصين شهدت تطورا شاملا كبيرا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1990م وظل الجانبان ينسقان مواقفهما في القضايا الكبرى ذات الاهتمام المشترك بهدف تحقيق السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط. وبحسب المصادر الصينية التي تحدثت «عكاظ» معها فإن الحكومة الصينية تنظر بمنظور استراتيجي وبعيد المدى للعلاقات مع المملكة وهي مستعدة لبذل الجهود مع الجانب السعودي لمواصلة تعزيز الصداقة والتعاون العملي بين البلدين، بما يخدم مصلحة البلدين والشعبين. وتؤكد المصادر أن تكثيف الزيارات المتبادلة على المستوى الرفيع بين الجانبين، يساهم في تعميق الثقة وتعزيز الحوار الاستراتيجي بين الرياضوبكين. وما زال الصينيون يستذكرون الموقف الإنساني لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في عام 2008 عندما قدم المساعدة لمنكوبي الزلزال الذي وقع في منطقة سيتشوان الصينية، وإعادة الإعمار في منطقة الزلزال إذ اعتبروا إن هذه المساعدات تعكس مشاعر الصداقة العميقة التي يكنها الملك عبد الله والشعب السعودي تجاه الشعب الصيني. وعلى ضوء المتغيرات الجيوسياسية التي تشهدها الشرق الأوسط فإن الصين أبدت استعدادها لتعزيز التنسيق والتعاون مع المملكة في قضايا الشرق الأوسط، وتطوير الشراكة الاستراتيجية المتعددة الأبعاد في مجال الطاقة، وتوسيع التعاون في مجالات والاستثمار والبنية التحتية والتكنولوجيا بما يثري العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، حيث أكدت المصادر الصينية أن الجانبين الصيني والسعودي ينسقان جهودهما بشكل مكثف في الشؤون الإقليمية والدولية حيث يعمل كلا البلدين على دفع عملية السلام بالشرق الأوسط، خاصة دعم الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقهم الوطنية المشروعة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. كما أن بكين تتطلع إلى بذل الجهود البناءة والمستمرة مع الجانب السعودي في تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ودعم التنمية في العالم. وإذا نظرنا بعمق إلى الجانب الاقتصادي لهذه الشراكة الاستراتيجية فإن المملكة تعتبر من أهم شركاء الصين في التعاون الاقتصادي والتجاري، وأكبر شريك تجاري للصين في غربي آسيا وأفريقيا حيث شهدت العلاقة الاقتصادية والتجارية بين البلدين تطورا كبيرا. ووفقا للإحصاءات الصينية، فان حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى 72.2 مليار دولار في عام 2013م، كما شهد حجم مشاريع المقاولات للشركات الصينية في السعودية زيادة مطردة. ويحظى ملف التعاون في مجال الطاقة والنفط مع المملكة باهتمام صيني بالغ وبحسب الإحصائيات الرسمية استوردت الصين 53.9 مليون طن من النفط الخام من المملكة، في عام 2013م، ما يمثل خمس إجمالي واردات النفط في الصين. وهناك آفاق واسعة في التعاون في مجال الطاقات المتجددة، بين البلدين في الطاقة الشمسية خاصة أن القدرة الإنتاجية للخلايا الكهروضوئية في الصين تبلغ 80 في المائة في العالم، وسترتفع في 2015م إلى ما فوق 35GW، لتحتل المركز الأول في العالم حيث أصبحت الصين أكبر دولة من حيث قدرة توليد الطاقة بالرياح، التي تبلغ 75.38 GW في نهاية عام 2012م. ان الشراكة الاستراتيجية بين الرياضوبكين ليست محصورة في الجوانب النفطية والاستثمارية فقط وهناك حوار استراتيجي مشترك لتعزيز العلاقات في الجوانب الثقافية والتعليمية حيث يدرس في الجامعات الصينية حوالى 1500 طالب سعودي. وكمحصلة نهائية فان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ستنعكس إيجابيا على تحقيق التقارب بين الشعبين وإرساء الأمن والسلام العادل والشامل في المنطقة.