من جديد تسببت خلافات اليمنيين فيما بينهم في استدعاء الخارج، ووضع اليمن تحت مطرقة الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يعني التدخل بشكل مباشر -عسكريّاً واقتصاديّاً- بغض النظر عن ضرورة ذلك من عدمها، فليس هناك ما يبرر أبداً أن تسعى بعض القوى السياسية اليمنية وبإلحاح إلى إصدار مثل ذلك القرار من مجلس الأمن الذي يحمل الرقم (2140). صحيح ان القرار أكد تمسك المجتمع الدولي بوحدة واستقرار اليمن وسلامة أراضيه، وبارك مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل التي توافق عليها المتحاورون من كل الأطياف السياسية والاجتماعية، ودعا إلى تهيئة المناخات لتجسيدها في الواقع، وهدد كل من يحاول عرقلة مجريات التسوية السياسية ومخرجات الحوار بعقوبات مباشرة، لكن ما يجب إدراكه بأن إصدار مثل هكذا قرار ينص على تطبيق الفصل السابع لا يتم إلّا ضد بلد لا توجد فيه دولة، أو أنها دولة فاشلة وتهدد الأمن والسلم الدوليين، أمَّا بالنسبة للحالة اليمنية فالأمر مختلف، خاصة وأن اليمنيين قد توصلوا إلى توافقات واتفاقات لحل مشاكلهم، ولم يكن مجلس الأمن الدولي غائباً عن المشهد اليمني، فهو يتابع مجريات الأحداث منذ عام 2011 والتي بلغت حالة من التهور والجنون، عندما صوّب المتصارعون السلاح على بعضهم البعض، ولاحت في الأفق مؤشرات حرب أهلية طاحنة، لولا عناية الله باليمن واليمنيين وجهود الأشقاء في السعودية ودول الخليج العربي الذين بذلوا جهوداً مضنية لإيقاف حالة الانهيار التي كانت سيدة الموقف، وحظيت مبادرتهم بتأييد دولي غير مسبوق، وبتجاوب مسؤول من قِبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي رحّب بالمبادرة الخليجية لحل الأزمة، وقدّم التنازلات حرصاً على دماء اليمنيين، وتجنيب اليمن مخاطر الدمار، وسلّم السلطة طواعية وبطريقة ديمقراطية وسلمية، وتمسك بالحوار سبيلاً وحيداً لحل الخلافات، وهو ما تم فعلاً بجلوس فرقاء الصراع والخصومة على طاولة واحدة وتحت سقف واحد لبحث جذور المشاكل التي يعاني منها اليمن، وطرح كل الرؤى والأفكار والمعالجات الممكنة لحل كافة المشاكل، بعيداً عن لغة السلاح الذي يتكدس بأعداد مهولة لدى اليمنيين. لقد مضت ثلاثة أعوام منذ اندلاع الأزمة السياسية في اليمن، وأكثر من عامين منذ نقل السلطة سلميّاً، وحوالي عام على انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وأكثر من شهر على انتهائه، ولازال اليمنيون منتظرين أن تتحقق تطلعاتهم في التغيير، ويلمسوا نتائج انتقال السلطة، وبالتالي تعزيز مخرجات الحوار الوطني بإجراءات تنفيذية حاسمة على الواقع، وإقامة الدولة المدنية الحديثة، دولة النظام والقانون القائمة على العدل والمساواة والحرية والديمقراطية، والتي توفر لهم أجواء الأمن والاستقرار والطمأنينة على مستقبل أبنائهم ووطنهم، وتحافظ على مصالحهم، وتُؤمن لهم الخدمات الضرورية، فالوقت يمر وأحلام الناس تتراجع، واستمرار هذا الوضع ليس في مصلحة أحد، لاسيما وقد بدأ البعض يعبّرون عن استيائهم من خلال المسيرات الحاشدة، والخروج من جديد إلى ساحات الاحتجاجات وإقامة صلوات الجمعة فيها، ونصب خيام الاعتصامات، وهو ما سيعيد الأمور إلى المربع الأول للأزمة. لقد أثبتت الأحداث أن أي دولة يصدر بحقها قرار دولي يضعها تحت الفصل السابع لم تجن في ظله إلّا المزيد من التفكك والمآسي، كما هو الحال في الصومال والعراق وأفغانستان وليبيا وغيرها، ولهذا فالجدير باليمنيين -بكل فئاتهم وقواهم- قبل أن يهللوا لقرار يضع بلادهم تحت الوصاية الدولية، أن ينفذوا ما اتفقوا عليه بالحوار، بعيداً عن الحقد وتصفية الحسابات وإراقة الدماء، وإشعال الحروب التي لن يسلم من آثارها ونتائجها المدمرة أي طرف مهما كان.