بقدر حاجة اليمنيين إلى نجاح مؤتمر الحوار الوطني كضرورة وطنية لحل المشاكل والصعوبات التي يعاني منها اليمن، والتي تتفاقم يوماً إثر يوم نتيجة حالة اللاحسم للقضايا المصيرية الماثلة أمام المتحاورين، فإن حاجتهم للحفاظ على الوحدة اليمنية، أكثر إلحاحاً، باعتبارها -بالنسبة لهم- قدرا ومصيرا، والحفاظ عليها لن يتحقق إلّا إذا التزم المتحاورون بما يحافظ على وحدة وأمن واستقرار اليمن كأساس لحل كل القضايا، التزاماً بأهداف مؤتمر الحوار الوطني الشامل المحددة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وفي النظام الداخلي للمؤتمر الصادر بقرار رئيس الجمهورية، وكذلك الإلتزام بقراري مجلس الأمن الدولي رقم (2014 و2051) المؤكدة على وحدة اليمن وسلامة أراضيه، وبالتالي الابتعاد عن فرض أمور لا علاقة لها بمؤتمر الحوار، ومحاولة تمريرها من خلال افتعال المواقف المتشنجة من قِبل بعض الذين يتناسون بأنهم منخرطون في حوار مع غيرهم من القوى الوطنية، وبأنهم ملزمون بعدم فرض رغباتهم ونزعاتهم الشخصية، وإنما طرح رؤاهم حول مُجمل القضايا الوطنية على طاولة الحوار ضمن الرؤى المقدمة من بقية المكونات، وتبادل الآراء والمقترحات حولها، وبالتالي القبول بما يتفق عليه الجميع، فليس من مصلحة اليمن -شعباً ودولة- أن تتعقد الأمور أكثر مما هي عليه الآن، وأن تظل القضايا المصيرية محل تجاذب ومساومات انتهازية، وهي حالة لا تخدم أمن واستقرار ووحدة اليمن وحمايته من التشظي والتمزق والتحوّل إلى كانتونات متصارعة فيما بينها. إن ما يشهده مؤتمر الحوار من محاولات للانحراف به عن أهدافه أمر في غاية الخطورة يعكس حالة الإفلاس المخيفة التي وصل إليها البعض، وكأن اليمن ليس فيه من العقلاء والحكماء الذين يمكنهم التوفيق وتقريب وجهات النظر والإسهام في وضع المعالجات المطلوبة لمُجمل القضايا الوطنية الأساسية، بعيداً عن تدخل الآخرين في شؤون اليمن الذين يحاولون فرض رؤى ومخرجات للحوار لا تتفق مع تطلعات اليمنيين في التغيير وإقامة الدولة المدنية الحديثة في ظل الوحدة، ولا تعبّر عما يحتاجه اليمن وما يجنّبه المخاطر التي ستؤدي إلى انهيار الدولة وتفكك المجتمع، وإنما تؤسس لتمزيق اليمن وخلق بؤر جديدة لصراعات وحروب ستقضي على آمال اليمنيين، وهو ما يفرض على القوى السياسية التي تحاول عرقلة مؤتمر الحوار والانحراف به عن مساره التاريخي، وعدم توصله إلى مخرجات تؤكد على قدسية الحفاظ على اليمن موحداً وآمناً، وتعزز مبدأ الشراكة الوطنية في السلطة والثروة على أساس عادل، وتضع المعالجات لكل المظالم وبما يضمن عدم تكرارها مستقبلاً، على تلك القوى أن تدرك خطورة مواقفها التي تسير في الاتجاه الخطأ، وتهدد بفشل الحوار، وأن تقف موقفاً مسؤولاً يستوعب حقيقة تاريخية مؤداها بأن التاريخ لن يرحم كل من يفرّط بالسيادة الوطنية، أو يقبل بتمزيق اليمن أرضاً وإنساناً، مهما كانت الأسباب والمبررات، أو التنكّر لنضالات وتضحيات الشعب اليمني بكل فئاته -وفي المقدمة الحركة الوطنية- في سبيل تحقيق الهدف الوطني الاستراتيجي، المتمثل في الوحدة والحرية والديمقراطية. لقد تحمّل اليمنيون الكثير من المتاعب والصعوبات نتيجة تدهور الأوضاع التي يعيشونها منذ نشوب الأزمة السياسية، وصبروا كثيراً من أجل إفشال مخططات تمزيق الوطن وتفتيته، وسيتحملون أكثر وهم يواجهون ويتصدون بكل صلابة لكل المخططات، فلم يعد في قدرة اليمنيين تحمّل الكثير من المعاناة والإرهاصات المدمرة لمشاعرهم الوطنية الوحدوية، والتي يريد البعض تتويجها بتنفيذ المخطط التآمري ضد وحدة اليمن وأمنه واستقراره، والذي ستكون نتائجه مدمرة وكارثية على اليمن والمنطقة، خاصة وقد بلغ التدهور الأمني والاقتصادي والاجتماعي في اليمن حداً يهدد بمخاطر كبيرة، ويزيد قلق اليمنيين وخوفهم من المصير المجهول لوطنهم.