يقول نيتشه: لولا الموسيقى لأصبحنا تعساء! والأجمل من هذا كله، حينما تكون الموسيقى مصحوبة بكلمات ناعمة ومنسابة، كلمات تصنع لك عالمك الحالم، وتدفعك على حسب اختيارك نحو البكاء أو الضحك بطريقة فاخرة، لا يجيّدها إلا من لهم باع طويل في التأمل. الفنان عبدالرحمن محمد أحد أولئك الذين أضافوا إلى الموسيقى النكهة العربية الفصحى، النكهة التي تحمل قلقاً تاريخياً، وطريقاً ممتداً وطويلاً من الشوق، إذ يمزج تلك الكلمات بالآلة الموسيقية الحديثة لينجب لنا إبداعا مختلفا عن السائد. * قبل كل شيء هذا الصوت الشجي، الحنجرة التي تخبرنا بالكثير من المفآجات، أين كانت مختبئة، خصوصاً وأنها متفردة فيما تطلقه من كلمات وقصائد كدنا أن ننساها، قصائد تعيد الذائقة لمكانها الصحيح، ليس كمثل الكثير من الأصوات والكلمات التي تقدم لنا السقوط في الذائقة بكل شجاعة وعلى مدار اليوم بأكمله؟ - كانت دراستي الجامعية في الإعلام المرئي والماجستير في الممارسات التوثيقية شغلي الشاغل، وقد أخذتني بعيدا عن تحقيق ذاتي والتعبير عنها في الموسيقى لسبع سنين؛ ولكن ذات عبد الرحمن الفنية لم تلغ، فقد كانت المؤثر والدافع الأساسي لي في دراستي للماجستير؛ فوظفتها في تحقيق هدفي آن ذاك من خلال تعرفي على الموسيقيين البسطاء منهم والأكاديميون وعلى المناخ الموسيقي العام في بريطانيا، فعملت أفلاما وثائقية قصيرة تحكي قصص حياتهم وتجاربهم الشخصية والإنسانية وكيفية تحقيق ذواتهم من خلال هذا المجال. * خطك الفني الذي اخترته والذي احتار فيها البعض من ناحية تصنيفه؛ خصوصاً وأن الآلة الحديثة والقصائد القديمة ذات التاريخ والحضارة يحضران في نفس الوقت، كيف تمكنت من تنسيق كل هذه المعطيات بجهد فردي لتُخرج لنا قالباً فنياً بمضمون حديث وقديم في نفس الوقت؟ - لأكن منصفا وصادقا، لست وحدي في تحقيق هذه الفكرة، فمهاب عمر، وأصدقاؤه (بريكن ذا باوندريز) الموهوبون وأصدقائي الموزعون الموسيقيون خالد برزنجي، وعلي خفاجي، هم من كانوا الملهمين لي وللفكرة؛ حيث أنهم ملمون بالموسيقى الغربية عموما وأنا اعشقها بالإضافة، إلى تعمقي في الموسيقى التركية، والفلامنجو الإسبانية، والهندية وبعض من الأعمال والأسماء الغربية عموما، كل هذا كانت نتيجته ما اسميه ب "اللوحات الموسيقية" التي على معرضي الفني وهو قناتي الخاصة في اليوتيوب، أما عن القصائد فهي كلها ما كنت أردده منذ صغري من مواويل سمعتها وحفظتها من فناني العالم العربي. * "الموسيقى دائما ما تكون تعبيرا عن المجتمع" إلا أن ما تقدمه متقدم كثيراً عن ما يريد المجتمع أن يقوم بالتعبير عنه، كيف من الممكن أن تتغلب على هذه الفجوة، الكثير من المستمعين ولا أقول الأغلب، يعجبه ذلك الكلام الذي يأتي سريعاً ويمضي سريعاً، الكلام الذي لا يقدم لأرواحنا ولثقافتنا أي شيء على الإطلاق؟ - بكل بساطة، أنا اُغني وألحن لأعبر عن ذاتي وشغفي في الموسيقى، هي بالنسبة لي وسيلة استجمام وإثراء لفكري وخيالي ومتعة شخصية، لم أفكر ولم يكن محط اهتمامي كيف أكون قريبا أو بعيدا عن الذائقة في العموم، احترم كل ما هو موجود على الساحة، ولكن بشرط تصنيفه تصنيفا واقعيا وعلميا، ففي الغرب كل أنواع الموسيقى متاحة ولكنها مصنفة وكل له ذائقته وجمهوره، وأنا أتمنى أن يكون لي ذائقتي المتفهمة والمتقبلة لأعمالي. * حالياً الساحة الفنية التي لا تؤمن بالقيمة الجمالية في الكثير من تصرفاتها بقدر ما تؤمن بالعائد الاقتصادي، فماذا قدمت لك، أم أنها لم تبالِ بما تقدم من تراث ثقافي هام، ومحاولتك الجادة لإعادة جمالية الفصحى لأسماعنا؟ - شئنا أم أبينا فالكلام الجميل والبلاغة في الشعر الغنائي والقصيد والإبداع في كتابة القصة والخيال والتعبير عن الحب والغزل والحال والمجتمع والكلام الصادق لهو محط اهتمام وعشق كل صاحب ذوق وخيال وفكر وتأمل، ذلك ما أبحث عنه فيما قدمته من أعمال من التراث العربي، ففيها كل ما أريد بدون عناء أو إجراءات أو تحسبات، وكوني لست من مشاهير الغناء ولا من صفوفه الأولى فنسبة عثوري على ما أريد أو من اطمح في التعامل معهم قد يكون محالا، أما عن السوق الفني، فكلي أمل مستقبلا أن يكون أكثر اتساعا وتعددية لأنواع فن وابتكار وثقافات مختلفة، وإن لم يحدث هذا الاتساع فشكرا لمن ساعدنا في تحقيق ذواتنا عبر الفضاء الإلكتروني.