لايبدو سؤالًا عبثياً حين يتساءل أحدنا لماذا انتهى هذا ؟! أو كيف سينتهي ، أو حتى متى ينتهي .. فالنهاية حقيقة الوجود وعليها قامت الديانات في كل العصور حيث يبقى الإله متميزا بموت الآخرين،بانتظارهم بعد موتهم ليمنحهم الثواب أو العقاب على سيرتهم ( الشاملة والمحصاة ) في هذه الحياة ، وهو حلٌّ غيْبيٌّ يقدّمه لنا الدين في رحلة الإنسان مع وجوده حينما رسم لنا مع كل رسالة ونبي صورةً لما بعد الموت وأقام الإيمان كله عليها .. لكن الموت ذاته غموض الراحة ، وفجيعة الفقد، وترك الظلال، واستباحة الآمال، وهتْك ستر الظنون، وفراق الأحبة، وتفريق المال على الورثة، وصراعاتهم عليه أحيانا ! ولأن الشعراء في كل الأزمنة أشبه بالفراشات التي تحوم حول الجوهر الإنساني المتوهّج والحارق، لم يكن هذا الغامض الأبديّ عابرا في رؤاهم، كان دائما الحقيقة التي تنتظرهم كلما اقتربوا من ذلك الجوهر متمرّدين حيناً عليه كما هو حال طرفة بن العبد في العصر الجاهلي حينما يقول : الا أيهذا اللائمي أحضر الوغى / وإن أشهد اللذات هل أنت مخلدي فإن كنت لاتسطيع دفع منيتي / فدعني أبادرها بما ملكت يدي أو حتى لاجئين إليه ليخلصهم من عذاباتهم في الحياة وهي النزعة الرومانتيكية في شعرنا العربي الحديث في بدايات عودته إلى جادة الشعر وتتجلى كثيرا لدى شاعر كأبي القاسم الشابي مثلا حينما يعنون قصيدته ب ( يا موت خذني ) على سبيل المثال .. لكن هذه النزعة الرومانسية الخالصة لاتكفي شاعرا آخر جاء بعده بسنوات كبدر شاكر السياب الذي لم يكن يرى الموت إلا انبعاثا جديدا للحياة حين يقول : ( وياليتني متّ إنّ السعيدْ / من اطّرحَ العبء عن ظهره / وسار إلى قبره / ليولدَ في موته من جديد) حتى واجهه بواقعية في مستشفاه الأميري بالكويت يكاد يخرج عليه من ثقب الجدار : ( كمستوحدٍ أعزلٍ في الشتاء / وقد أوغل الليل في نصفه / أفاقَ فأوقظ عين الضياء / وقد خاف من حتفه / أفاق على ضربةٍ في الجدار / هو الموت جاء! ) لكنّ محمود درويش الشاعر الذي انفتح على كل الثقافات المتعلقة بوجود الإنسان حاور وجوده كما لم يفعل ذلك شاعر قبله كان أكثر عمقًا وأقل حيلةً وأقرب رؤيا كما يقول :(حلمت بأنّ قلب الأرض أكبر من خريطتها ...! ) إذن حتى وإن تميّز الشعراء بالحضور بعد الموت لم يكن الموت إلا أن يدرك ذاته فيهم ..! فاصلة : هب أنك الأبديّ ..هل تحتاج عمراً آخر تحياه .. لا .. لاشيء يغري الريح بالصحراء إلا أنها تهب الرمال البيضَ رقصتها .. وترحل للغيومْ !