يقدم التلفزيون السعودي نهاية كل أسبوع وعبر قناته الأولى برنامج "فن الفنانين" الخاص ببث الأرشيف التلفزيوني لروّاد الغناء في المملكة وسرد معلومات عن مسيرتهم. وبلاشك مثل هذا البرنامج يعتبر جيداً حتى لو كان نسخة مكررة من البرامج التي تقدم في التلفزيونات الخليجية أو العربية والتي توثق الحركة الفنية في الماضي. ورغم نبل الغاية التي يطمح لها البرنامج إلا إنه -وبكل أسف- لم ينصف نجوم الماضي واحتوى على معلومات خاطئة كما كان لضيوفه آراء قاسية ضد الموروث لا تستوعب ظروف الماضي ولا تقدر معاناة الرواد وإسهامهم الفريد في صياغة موروث فني راق لا نزال نغترف منه إلى الآن. "فن الفنانين" لم يقدم أي إضافة سوى عرض مكتبة التلفزيون المليئة بمواد "أرشيفية" مهمة، لتكون تلك المواد رافداً فعالاً في تكوين الصورة الحقيقة للفن السعودي في بداياته وللفنانين. ما نعرفه عن البرامج التوثيقية التي تقدم صورة بانورامية للماضي أنها لابد أن تعتمد على ضيوف لديهم علم ودراية في الحدث أو الموضوع المراد توثيقه، وهؤلاء المؤرخون يعتبرون أهم العناصر الأساسية لإيصال المعلومة بمصداقية، بينما في برنامج "فن الفنانين" نجد ضيوفاً يتكررون في كل الحلقات ويتحدثون عن كل الشخصيات الفنية بتعليقات غير دقيقة وتميل للتعميم "الذي لا يغني ولا يسمن من جوع" ولا فائدة معرفية منه، بل ربما يكون نافذة لتحوير الحقائق، كما حدث في حلقة البرنامج عن الراحل سعد إبراهيم الذي كرر عبر صحيفة "الرياض" بأنه يحمل الرقم "3" في جمعية الثقافة والفنون بعد إنشائها من الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن وطارق عبدالحكيم، كما اهتم في التوسع الجماهيري وزيادة معرفة الناس به بعد أن عين في وظيفة حكومية بمدينة جدة، ليستغل تواجده هناك ويدخل إذاعة جدة ويسجل أغنية "يا غايتي يا مرادي" من كلمات أبو سعود الحمادي وألحانه هو، وكان يطلق على الإذاعة في ذلك الوقت "مديرية الإذاعة" ويرأسها عبدالله بالخير ويديرها عباس غزاوي ليكون مرافقاً لطلال مداح وفوزي محسون ومجموعة لا يتذكرها "حسب قوله في اللقاء". هذه المعلومات المهمة لم تظهر بشكل دقيق في البرنامج، بل إن أحد المتحدثين أضاف إلى هشاشة معلوماته تهميشاً لدور الفن في نجد، وذلك في معرض تعليقه على انتقال سعد إبراهيم للحجاز، حيث أرجع ذلك إلى ضعف المشهد الفني النجدي؛ متجاهلاً حقيقة أن هذه المنطقة كانت في ذلك الحين تضم أسماء فنية مهمة مثل أبو السعود الحمادي وأبناء السلوم وسلامة العبدالله وحمد الطيار وابن سعيد وغيرهم في بداية الستينيات الميلادية، لذلك لم يذهب سعد إبراهيم إلى المنطقة الغربية هرباً من نجد أو ليكتشف نفسه، إنما حكمت الصدفة أن يسجل في إذاعة جدة وهو ما كان يسعى له بخلاف زملائه فناني نجد الذي كانوا يفضلون تسجيل الإسطوانات وبث أغانيهم عبر إذاعة طامي. من المعلومات التي لم تدرج في حلقة الراحل سعد إبراهيم هي أنه أول من قدم قصائد الأمير خالد الفيصل وكذلك بدر بن عبدالمحسن وأيضاً الشاعر أحمد الناصر، عدى مشاركته في مهرجان قرطاج وغيرها من المعلومات المهمة. وهنا نبدي استغرابنا من برنامج يدّعي توثيق المعلومة التاريخية ومع ذلك يتجاهل أهم المعلومات ويقدم بدلاً عنها معلومات خاطئة وتعميمية. كنا نتمنى أن يقدم برنامج "فن الفنانين" المادة التلفزيونية كمعلومة تاريخية بدلاً من تهميش منطقة بأكملها وتشويهها وتصوير سعد إبراهيم وكأنه هارب من جحيم "نجد" متجهاً غرباً مع تجاهل متعمد لإذاعة طامي وما كانت تقدمه من جلسات وتسجيل أسطوانات وإسهامها في نمو وتطور الفن في نجد. الراحل سعد إبراهيم