مستجدات المنازلة التاريخية- بالذات- في المناطق المتشظية كسورية والعراق اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات، وقد سبق ووجه كثير من المثقفين والمصلحين النظر لضرورة التنبه لخطورة اللغة المذهبية وتفاقم احتقان الشحن الجماهيري بين المذاهب في الخطاب الديني والتنبه لخطورة اللعبة التي وإن أصابت أهدافا لمستنفع في الماضي فهي اليوم تمثل اللعب بالنار كثر تبادل الاتهامات حول الإجابة عن سؤال مَن صنع داعش؟، فجاءت الهرطقات تغالب المهزلة والمصلحة الفئوية وتكشف عن مدى تفاقم مستوى الاحتقان المذهبي الطائفي، ليتصل تلظي الحال بتشظي النتائج هرطقة؛ فتُحسب داعش صنيعة إيران.. ولئن كان النظام السوري والعراقي مدعومين من إيران طائفياً، فلنا أن نعترف بحقيقة أن الجماعات الإرهابية ومنها داعش هي وليدة القاعدة التي أصبحت هي أيضا مشكوكاً في جهة تجنيدها، لا بأس؛ فالسياسة والدين المذهبي بالذات وجهان لعملة واحدة، والتلاعب بهما لمصلحة فئوية تهديك الخزعبلات التحليلية على أعلى مستوى لهرطقة الإسلامويين. داعش من القاعدة، والبغدادي والجولاني والظواهري أصحاب فكر تكفيري واحد، وهم وإن اختلفوا؛ ففي بعض الأهداف القتالية وبعض المقاييس الخاصة لإدارة المعركة في سورية والعراق وغيرهما، أما دون ذلك فهم ذرية تكفير وقتل وإرهاب بعضها من بعض، وليس بمفاجئ ظهور جماعات جديدة تشارك القاعدة أيديولوجيتها السلفية الجهادية وأهدافها البعيدة في إقامة خلافة إسلامية، الوهم الذي يتلاعب به اللاعبون بالسياسة والدين لتحقيق مآربهم الوحشية الاستعمارية. مشكلة من يسارع لتصديق الترهات؛ أنه يتناسى عامداً تسجيلا للظواهري في نوفمبر الماضي، الذي صرح فيه أن داعش فرع من التنظيم لكنها استقوت وبدأت تنقلب على أهلها، ما جعل الظواهري يدعو إلى إلغاء الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"ويؤكد أن جبهة النصرة في بلاد الشام هي فرع التنظيم في سورية، "تلغى دولة الإسلام في العراق والشام، ويستمر العمل باسم دولة العراق الإسلامية" مشيراً بأن جبهة النصرة لأهل الشام فرع مستقل يتبع القيادة العامة أي القاعدة. وكان البغدادي "زعيم الجبهة الإسلامية في العراق" قد أعلن في تسجيل صوتي له في ابريل الماضي إلغاء اسم دولة العراق الإسلامية وإلغاء اسم جبهة النصرة وجمعهما تحت اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام" داعش"، وقد رفض الجولاني زعيم جبهة النصرة في الشام الرضوخ لإمرة البغدادي ما سبب انقساماً بين المقاتلين في جبهة النصرة، وقد حكم الظواهري بين الزعيمين فأبطل الاندماج الذي أعلنه البغدادي ورفضه الجولاني.. وهذا دليل موثق بأن داعش جزء من القاعدة. الظواهري مدد ولاية البغدادي على فرع العراق والجولاني على سورية لمدة عام، وهو دليل آخر على أن التنظيمين يقعان تحت إمرة القاعدة تلك التي أذاقت البشرية صنوف الإرهاب الدموي العنيف. داعش اليوم تعد أقوى التنظيمات الإرهابية في سورية، وتتفوق على جبهة النصرة بعددها وعدتها، ويقدر عدد مقاتليها بالآلاف، وقد قتلت أكثر مما قتل الأسد، ومعتقلات التعذيب فيها أسوأ من سجون الأسد كما ذكر بعض الناجين منها. يعلق الباحث اللبناني في شؤون الحركات الإسلامية د. محمد علوش بعد كلام الظواهري ورفض داعش لحكمه (نحن أمام مرحلة جديدة للسلفية الجهادية تفرخ قيادات جديدة وقيادات تنقلب على قياداتها، ما ينذر بنشوء حالة شديدة من التطرف قياساً على تنظيم القاعدة الأم الذي ولد في أفغانستان) معتبراً الخلاف بين الظواهري والبغدادي، وبين داعش والنصرة خلافاً سياسياً مرتبطاً بتوقيت إقامة الدولة الإسلامية وببعض سلم الأولويات، بينما يتفق الجميع على الأهداف العامة التي قام عليها تنظيم القاعدة، (وقد نشهد مزيداًً من الانقسامات داخل هذه التنظيمات، أي ولادة جيل جديد منقسم على نفسه بالإضافة إلى كونه أكثر تشدداً وتطرفاً) وفعلاً ها هي داعش تكفر النصرة وتهاجم مقراتها وتغتال الكثير من مسؤوليها ومسؤولي الفصائل الإسلامية الأخرى. لاشك أنه عندما تتسيد عدمية الإنسان يصبح إرهاب الدولة وإرهاب الجماعات سواء، بل لا نستغرب أن تقاتل الجماعات الإرهابية النظام وتقاتل معه، فالهويات المتنازعة على المصالح تصبح منفتحة على جميع الاحتمالات، وقد تتصالح مع الشيطان لأجل غاياتها الاستبدادية التوسعية (وهم الحكم الشمولي الاستعماري). ورغم أنني لا أستنكر حيال تسييس الدين وتديين السياسة أي توجهات إجرامية، كما أنه لا يستغرب أي إرهاب باسم مكافحة الإرهاب على الطرف الآخر، فإنني لا أجد فرقاً كبيراً بين هؤلاء وهؤلاء غيرَ القدرات، أما الوسائل والغايات فواحدة، فكلاهما يلعب على حبل الدين باسم السياسة أو يلعب على حبل السياسة بواسطة الدين، والأماني معلقة بين الفرق المتحاربة - قدم التاريخ - على قدر تحريك الفتيل الطائفي المتقد دائماً منذ التمس إنفاذ المصالح بلعبة الدين والسياسة.. فالوقود مشتعل والمجرمون متلونون والقطيع جاهز للتفخيخ والعمليات الانتحارية، هذا ما تمخضت عنه الثورات؛ بالذات التي لم يحسم شأنها بل لازال سعير نيرانها يوقد القتل والدمار والفناء. قاعدة؛ كل الحركات الإسلامية التي انتشرت في بلدان الثورات العربية ومنها الإخوان المسلمون التي وضعت أخيراً على قائمة الإرهاب، هي حركات إرهابية تقتل وتدمر وتسعى للشقاق والنفاق الطائفي والفتنة باسم الإسلام الفئوي المذهبي، والمتابع لإجرام القاعدة والنصرة وأحرار الشام وداعش وغيرها يصعق لتعالي صيحات التكبير مع قطع الرؤوس وجلد الأجساد وإهانة الإنسان. اليوم في الحرب الإرهابية في سورية والعراق بالذات لا لغة تعلو على اللغة الطائفية، ولقد خرج لنا من عباءة الدين من يساوم على الدين ويدعو للنفير العام "الجهاد" وهو ومحبوه في مواطن الحبور والسرور، وتتكرر هذه الموجات التحريضية كحالة تداع عنيف لإشعال فتيل المذهبية، وإن تعجب فاستمع لهذا المحرض المفتي يتخبص في السياسة التي يدعي وصلاً بها، كونه القابض على حقيقة جميع الأمور، فيصرح بأن (سورية وإيران صنعتا "داعش لإجهاض الثورة السورية) ثم يشرح وغائلة الإرهاب تقوده، بأن ("داعش" نصب فخاخاً تجتذب الشباب المخلصين الذين يريدون الجهاد من أجل دينهم وأوطانهم، واستطاع التنظيم أن يتسلل في سورية، وشرع يساوم الجميع بالمال والسلاح، ويحاول السيطرة على المعابر الحدودية).. كيف يمكن تصديق هذا التتالي المعلوماتي غير الموثق، إلا إن كان هذا المفتي مع داعش وهم يخططون، أو أنه على علاقة بالمخابرات السورية؟! ثم يأخذ بالتأسي على بعض إرهابيي داعش مسوغاً لعملياتهم الإرهابية بأعذار واهية (قام بها أناس مخلصون داخل التنظيم يعملون لوجه الله) والسؤال المبادر: ومن زج بهم في أتون المواجهات، وأباح لهم قتل بعضهم بعضاً سوى فتاوى التحريض الطائفية التي تكيل عاهات منهجها قتلاً وتدميراً باسم الجهاد؟! لكن الواعظ الدرويش يرى أن (قسماً من أتباع "داعش" من العملاء، وقسماً آخر من المغرر بهم والجهلة والحمقى الذين لا يدركون الحقيقة). طبعاً هو القابض على الحقيقة المطلقة؛ لأنه يحسن إشعال حريق العنف المذهبي؟! ويوجه نصيحته حاثاً المخلصين في "داعش" (على الفرار بدينهم والانضمام إلى فصائل مجاهدة في سورية مثل الجيش الإسلامي والجبهة الإسلامية وغيرهما) وهنا حق لمن يضحك بكاءً على هذا التلاعب بالعقول، والذي استضافته قناة العربية للأسف، أن يتساءل هل رأيتم في تلك الجماعات الإسلامية جماعة تفرق عن أخرى؟!، كلها تقتل وتفجّر وتهجّر الأبرياء باسم الإسلام، لكنها لغة الطائفية عندما تفجر بالكذب والمراء والتدليس ولا تستحي من جهلها وعشقها الدموي. أقل درجات الإنسانية تجاه شعب سورية أن يطالب المخلصون للإنسان أن يتوقف القتال نهائيا وبأي ثمن، لكن المحرض/ المفتي والممول، له مع الحشد الطائفي جبال آمال تبني طوبها من الجثث وتسقي حرثها بالدماء! حالة الاستقطاب الطائفي هي أشد حالات الخطورة الأمنية للأوطان، فهي تقضي على ثقافة التسامح والتعددية والعيش المشترك، ويؤسس خطابها الديني المتعصب للذات المشيطن للآخر لتحويل التدين من سلوك يهذب العلاقة بين الذات والآخر إلى ممارسات تصنيفية تتغلبها الهوية المذهبية الضيقة، وهذا الدمار التحريضي المسكوت عنه يجعل صاحبه يمارس لغة الإقصاء والتهميش بدرجات متفاقمة من العنف اللفظي والرمزي، إلى عنف الازدراء والتضييق، وصولاً إلى العنف المسلح باستباحة الأنفس والأعراض والأموال. وجميعها ممارسات خطرة تقسم المجتمعات وتهدد الصيغة الوطنية للدولة الحديثة التي تقيم العلاقات بين أبنائها على أساس المساواة التامة بدون تمييز. التطرف والتخلف والفوضى والعبث والدمار هي مخرجات اللغة المذهبية، وواجب الحكام العرب والخليجيون والمصلحون والمثقفون التصدي لها، ودرء شر المحرض/ المفتي والممول، فليس فوق أمن الوطن قيمة، إن أدرك العقلاء.. إن مستجدات المنازلة التاريخية- بالذات- في المناطق المتشظية كسورية والعراق اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات، وقد سبق ووجه كثير من المثقفين والمصلحين النظر لضرورة التنبه لخطورة اللغة المذهبية وتفاقم احتقان الشحن الجماهيري بين المذاهب في الخطاب الديني والتنبه لخطورة اللعبة التي وإن أصابت أهدافا لمستنفع في الماضي فهي اليوم تمثل اللعب بالنار. جدير بنا أن نستلهم الموعظة من تجارب الأسوياء، لنتعرف كيف واجهت حكومة ألمانيا فكر التشدد الإسلامي، هل هربت، أم نفت وجود الإرهاب؟!! أم بادرت بدفع التوهم للتغلب على الإرهاب؟، لنقرأ الخبر الذي جاء في نيويورك تايمز بتاريخ 9 يناير 2014 "ألمانيا تدرج التربية الإسلامية بمناهجها:" (بدأت المدارس الحكومية في ألمانيا بتدريس التربية الإسلامية، باستخدام معلمين متخصصين ومناهج كتبت خصيصاً لهذا السبب، في محاولة من الحكومة لدمج الأقليات المسلمة في المجتمع ومواجهة الفكر المتشدد.. يأتي هذا القرار، وسط إجماع عام على ضرورة اتخاذ السلطات الألمانية خطوات تخدم الأقليات المسلمة لديها، وذلك لخلق مجتمع ذي تناغم اجتماعي.. ويؤكد مسؤولون ألمان أن الوضع العالمي حاليا يلح بشدة على مثل هذه القرارات، خصوصاً وسط الأنباء التي تؤكد مقتل شابين ألمانيين في سورية بعد توجههما إلى هناك من أجل الجهاد) توجه حكومة ألمانيا لردع الإرهاب جاء عن طريق التعليم، وهو المجال الذي يبني الإنسان ويهتم بتكوين المبادئ الإنسانية التي تقيم علاقاتها بأسلوب مدني وبوطنية متكافئة، فتوفر الأمن والتعايش الحر بين فئات المجتمع بالتساوي، هذا والمتورط اثنان فقط حسب الإعلان، ماذا لو كان الرقم .....؟ ضع الرقم المتوقع للإرهابيين لدينا.. وفكّر في حجم الكارثة، وأسلوب المعالجة...!! تجاوز مرحلة الارتهان الطائفي بات ملحاً، عن طريق أنسنة الفكر ومدنية الانفتاح، ب وعلى ولأجل الإنسان..