ليس أمام السعوديين لمواجهة ارتفاع أسعار الدجاج والبيض، التي تقفز من وقت إلى آخر بشكل لافت، مرة بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف في الأسواق العالمية، ومرة بسبب إنفلونزا الطيور وتعويض خسائر هذه المزارع، ومرة أخرى بسبب «السعودة» التي تفرضها وزارة العمل على هذه الشركات الكبيرة، وفي كل مرة تخرج هذه الشركات منتصرة وفائزة بمباركة الجهات الحكومية التي كانت كل مرة تهدد فيها هذه الشركات برفع الأسعار بسبب الأحوال التي ذكرت فتبادر إلى دعم الأعلاف، وزيادة القروض، وإلغاء «السعودة»، كل هذا من أجل خاطر المواطن، حتى لا ترتفع أسعار الدجاج والبيض، إلا أن مزارع الدجاج بقيت في حرب مستمرة مع المجتمع الاستهلاكي، ما بين تهديد وأحياناً بتقليص الحجم، ومرات عدة استغلال المواسم، والبعض من أصحاب المزارع اعتاد أن يخفض الأسعار في مناسبات وطنية، وراح البعض منهم يغني أنه حافظ على ثبات الأسعار لعقود من الزمن، على رغم غلاء الأعلاف، والحقيقة لا يوجد تاجر يتنازل عن قرش من أرباحه ما لم يعوضه من جهة أخرى، إنما هو «موال» اعتدنا سماعه. الآن وقد أصبح الأمر واقعاً، والأسعار سوف ترتفع بشكل لافت وملاحظ ولا مفر من هذه الزيادة، إذ لا تلوح في الأفق ما يشير إلى أن الأسعار قد تتراجع، أو تتدخل الجهات الرقابية لضبط الأسعار، فالحل أن يسلك السعوديون نمطاً جديداً في توفير ما يحتاجونه من غذاء، وهو أن يعودوا إلى تربية الدواجن في البيوت بما يكفي لهم توفير الكميات التي يحتاجونها، وكذلك حاجتهم من البيض، وأظن أنه ليس عيباً أن يربى الإنسان بعض الدجاج في منزله في البلكونة أو في الحوش وحتى في السطوح، المهم لابد أن يجد المواطن مخرجاً للأزمات الاقتصادية التي تلاحقه، إما بسبب البطالة أو انخفاض المرتبات والأجور، وكذلك لمواجهة ارتفاع الأسعار التي أصبحت مبرراتها عدة وغير مقنعة، ليس عيباً أن يُغيّر المواطن جزءاً من نمط حياته بما يحقق له الفائدة ويوفر له «قرشين» قد تفيده في مواقع أخرى من علاج، لا سمح الله، أو رسوم مدارس أهلية، وجامعات حكومية. المهم ليس هناك حل لهذه الأزمة المرتقبة على سوق الغذاء سوى أن يتوجه السعوديون إلى سوق الطيور والدواجن ويشتروا كميات من الدجاج الولّاد البياض وأقفاصاً صغيرة، ويبدأوا في إنتاج البيض المنزلي وتربية الدجاج، بما يغطي حاجاتهم، وبذلك يكونون قد وفروا لأنفسهم غذاءً صحياً و«بيض بلدي» مفيداً، أفضل بكثير من بيض المكائن ودجاج يتربى على الحرارة الصناعية ويعيش مكتئباً وسط ضحيح وصياح وأمراض متنوعة بين أقرانه من الدجاج، دجاج المنزل سيكون صحياً لأنه يتربى أمامك، وليس بالضرورة أعلافاً فقط بل يأكل من بقايا الخبز والحبوب المختلفة وبأقل الأسعار، ستجد دجاجاً خالياً من أي مواد حافظة، مفيداً وصحياً. بالنسبة للحوم والحليب، فالأمر في غاية السهولة، أقترح أن تعود ثقافة تربية الدجاج والغنم، وزراعة الحاجات الضرورية، وهي كانت موجودة في السابق، حينما كان السعودي يحلب غنمته بنفسه، ويشرب هو وأطفاله لبناً وحليباً طازجاً قبل أن تغزونا المصانع وشركات الألبان، وبعدها بدأت تفرض علينا أسعارها المرتفعة. تجربة تربية الدجاج والغنم في المنازل، والزراعة فوق الأسطح ليست جديدة على مستوى الكثير من الدول، العام الماضي أطلقت جماعة الدفاع عن حقوق الحيوان حملة لتربية الدواجن في المدن الأميركية، وتستهدف الحملة مواجهة ارتفاع الأسعار والأحوال الاقتصادية التي تمر بها دول العالم، فكان الشعار الذي أطلقته الحملة «قم بتربية الدجاج بنفسك»، وتقام ندوة بهذا الخصوص ربع سنوية تُسمى ندوة الدجاج، وأقيمت في «ديكاتور» بولاية جورجيا، ودُعيّ 50 مشاركاً في ورشة عمل لمدة يوم كامل، بغية تعليم سكان الحضر أساليب تربية الدجاج في الفناء الخلفي لمنازلهم، وشملت المداخلات، الحديث عن طبيعة الدجاج وسلالاته، وأسس بناء حظائر الدجاج، وتغذيته، وكيفية تربية الكتاكيت، والإسعافات الأولية والصحة، وكيفية إنشاء التعاونيات المجتمعية، ويفسر منسق مشروع أوكهيرست لحديقة المجتمع «أندريا زوبوو» التعايش مع الدجاج في الفناء الخلفي بقوله، «أولاً، الدجاج يقوم بتسميد الأرض، لأن فضلاته توفر السماد المفيد جداً للحديقة، إضافة إلى أنه يقضي على الآفات لأنه يأكل الحشرات»، وأضاف: «من الرائع أن يستيقظ الأطفال في الصباح، ويقومون بجمع البيض من قن الدجاج، وهذا عمل رائع للطفل، فهذا هو المكان الذي تأتي منه وجبة الإفطار، ويجعل الطفل يشعر بالتمكين». في كثير من الدول، خصوصاً في الهند وبنغلاديش ودول آسيوية أخرى يزرع المواطنون في أحواش منزلهم بعض الخضراوات والبقول المهمة التي يحتاجونها في طبخهم، ولأن الغالبية العظمى من الناس الذين سيواجهون ارتفاع الأسعار هم من سكان الشقق ولا يملكون 70 في المئة منهم منازل، فهذا يعني أن الأسطح هي المكان المناسب لزراعة الخيار والكزبرة والنعناع والبامية والطماطم والفلفل والليمون وأنواع أخرى بحيث تغطي حاجة استهلاك الأسر من الخضراوات، أظن أن إدخال نمط جديد في حياة السعوديين داخل المدن سيخفف عنهم ارتفاع كلفة المعيشة وزيادة الأسعار لبعض أنواع السلع الاستهلاكية، وكلما دعت الحاجة اشترِ شيئاً واصنعه بنفسك، فالمقاطعة ليست الحل الأمثل في كل الأحوال، بل إيجاد البديل هو الصحيح. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] @jbanoon