من أصغر وأحقر الحشرات البعوضة المعجزة في الخلق هي صغيرة ولكنها في فتكها كبيرة وفي خلقها عجيبة!! وهي تعيش في جميع أنحاء العالم بأنواعها المتعددة وأشكالها المختلفة وتسبب أخطر الأمراض مثل الملاريا وحمى الوادي المتصدع والتهاب بالدماغ والحمى الصفراء فسبحان الذي أبدع صنعها!! وقد حباها الله خرطوماً خطيراً ليس كخرطوم الفيل الضخم الرقيق فخرطوم البعوضة إذا غرس في وريد الإنسان أصبح عليلاً طريح الفراش يصارع المرض والموت ومفارقة الأهل والخلان فقدرة الله في خلقك أيتها البعوضة فاق التصور والأذهان!! قال تعالى "إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضةً فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين" وقال تعالى: "ولله جنود السماوات والأرض". هي للإنسان صديقة لصيقة ولكن ما أتعسها من صديقة مؤذية هي البعوضة لكل الخليقة إنسان طير حيوان ولكنها الحقيقة المرة التي يتجرع الإنسان مرارتها رغماً عنه ليعلم أنه دائماً وأبداً مخلوق ضعيف مغلوب على أمره أمام جبروت وعظمة الخالق فكيف لا وقد تحدى الله بها أشر خلقه النمرود بن كنعان فسلطها الله عليه مكثت في رأسه أربع مئة سنة وهو يضرب رأسه بالمطارق فمات بسببها فالبعوضة تعتبر الفتاك الأول على مستوى العالم فهي أخطر من ملك الغاب، فسبحان الخالق المبدع العظيم!!. أما أنا شخصياً وغيري الكثير فقد تحملت كثيراً من أذى البعوضة وتطفلها على مكان جلوسي ونومي فقد أزعجني طنينها ولسعاتها التي لا ترحم ليتبين مدى عجز الإنسان وضعفه أمام عظمة ربه. قال الشاعر: يامن يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل أمنن علي بتوبة تمحو بها ما كان مني في الزمان الأول فسبحان الله هذه البعوضة هي طبيب تخدير ماهر وفني مختبر ناجح وصياد ماهر وقاتل محترف ورادار كاشف وهي جراح ماهر ومحايل ماكر!! لقد عشت مع البعوضة وارتشفت منها حزناً مريراً لقد قتلت كبريائي وأدمت أعضائي ورغم كل الاحتياطات لكني أسلمت نفسي لفتكها وأعود كل يوم من المعركة مخذولاً فخصمي عنيد ذو بأس شديد أتساءل بكل حرقة كيف تسللت إلي حلت في محلي وهددتني أزف لكل الناس بؤسي وانهزامي وإذا فررت أين أختبئ وإذا جلست كيف أرتاح إنها غريبة جاءت إلي وحلت ضيفة غصباً علي آه ما أشقاني فأنا أعاني مرارة الزمان ورهبة المكان فأين أفر من أحزاني!! فيا إخوتي لا تعجبوا من حالي وابكوا لما أبكاني. قررت مكافحة البعوضة وقتلها فكل ليلة أعيش صراعاً معها وأعضائي منها مجروحة فلدغاتها في جسمي مغروسة مكرهاً دخلتي إلي أيتها البعوضة ولم تستأذني أسمع طنينك الذي يشبه إنذار حرب ضروس نزلت كالرعد تصوب نحو جسمي سهامها أستيقظ أشعل النور أبحث عنها ولكنها اختفت. ابتعدي عني فلم يبق سوى أناتي في الليالي المظلمات من تلك اللدغات فأنا ضعيف أمام جبروتك رغم صغر حجمك! نصبت الكمائن والحفر ووضعت الأشواك في طريقها وبنيت السدود والحواجز وحفرت الحفر وأنا في حذر ولكن الحذر لا ينجي من القدر. فاللهم أسألك رحمتك ولطفك وأسألك توبةً نصوحاً وأسألك أن تكفيني شر خلقك فأنا عبدك الضعيف أمام قدرتك وجبروتك وعظمتك فما أبدع صنعك وما ألطفك ربي.