عندما نطالع في أول آية تطل علينا في ترتيب المصحف الشريف فيها ذكر( الإنسان ) نجدها تتكلم عن حقيقة الإنسان وطبيعته التكوينية وهي قوله تعالى : ( وخلق الإنسان ضعيفا ) فالله تعالى يبين أنه خلق هذا الإنسان ضعيفا .. ضعيفا في ماذا ؟ ضعيفا في كل أحواله ، فلا قوة له ينفرد بها عن خالقه جل وعلا ، وهذه غاية الضعف وهو الاعتماد على الغير في قضاء الحوائج والعيش في هذه الحياة ، إذ لا حول ولا قوة إلا به عز وجل . .قال تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} (28) سورة النساء -وخلق الإنسان ضعيفا – ضعيفا ًمن بدايته إلى نهايته ، ، وإن ظهر له قوة ، فإنما هي مدد من الله تعالى ولذلك بين سبحانه هذه الحقيقة بقوله تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} (54) سورة الروم فالإنسان مهما بلغ في مرحلة من مراحل حياته التي هي بين الضعفين من قوة وجبروت إلا أنه على يقين يخالج نفسه ، بضعفه أمام ما يحيط به من جند لله تعالى ومخلوقاته ، من الزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير والرياح والبرق والرعد والسباع المفترسة والوحوش الكاسرة ، بل ضعيف فيما هو أصغر من ذلك من لدغ العقرب أو النملة والبعوض ، فتجده يقف عند كثير من أسرار الكون حائرا عاجزا عن تحليل بعض هذه الأسرار ، (وهذا ضعف ). وإن القوة التي يمر بها الإنسان في فترة من فترات حياته كما قال تعالى (ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) إنما هي لازمة من لوازم الاستخلاف في الأرض وعمارتها قال تعالى. {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } (30) سورة البقرة ، والعمارة بنوعيها الحسية والمعنوية إما بإقامة دين الله تعالى في الأرض وتنفيذ أوامره ، أو عمارتها العمارة الحسية من البناء والزرع والشق ونشر الإصلاح خلاف الإفساد ، وهذه كلها تحتاج إلى قوة .. إلا أن هذا الإنسان عندما يغتر بهذه القوة ، ويتجبر، ويطغى ، وينسى ضعفه إنما هو يجهل حقيقة القوة التي أعطاه الله تعالى له ، وأن هذه القوة المحدودة إنما أعطيت له لحكمة عظيمة وغاية شريفة وهي عمارة الأرض ونشر العدل ورد الظلم، فمتى ما سخرها في غير ما خلقت من أجله حلت عليه العقوبة والنكبة كما أخبر تعالى عن الأمم السابقة وكيف أنها اغترت بقوتها ونسيت أصلها وضعفها : {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا {(9) سورة الروم وقال تعالى{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} (13) سورة محمد. وقال تعالى {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } (15) سورة فصلت فالله تعالى عندما وصف حال الإنسان بقوله (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) هو كسر لهذه النفس المتغطرسة المتجبرة وتذكير لها بضعفها ، لعلها ترتدع وتكف عن كثير مما تسول له نفسه بالقيام به مما يخالف طبيعتها ويعرضها لغضب ربها . فإذا دعتك قدرتك وقوتك أيه الإنسان الضعيف لظلم أحد تذكر قدرة الله عليك وكمال قوته . وإذا ظُلمت من أحد فلا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ... نسأل الله العظيم الحليم أن يرحم ضعفنا ، وأن لا يكلنا لأنفسنا طرفة عين . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته محمد فرحان العنزي