معاذ الحاج مباركي قبل أن أدلف إلى تفاصيل مقال الكاتبة أود أن أؤكد على مسّلمات وثوابت يصعب على الإنسان أن يكتب دون أن يستحضرها في مخيلته ومنها خطورة الزّج بالحقائق القرآنية في تخمينات بشرية ومجازفات تخيلية ليس من وراءها برهان! أيضاً ليس في الحديث عن الروح والجسد حجر على العقل البشري أن يعمل ولكن فيه توجيهاً لهذا العقل أن يعمل في حدوده وفي مجاله الذي يدركه فلا جدوى في الخبط في التيه ولقد أبدع الإنسان في هذه الأرض ما أبدع ولكنه وقف حسيراً أمام ذلك السرّ اللطيف -الروح- لا يدري ما هو؟ ولا كيف جاء، ولا كيف يذهب، ولا أين كان ولا أين يكون وذلك مصداقاً لقوله تعالي {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} وأسرار هذا الوجود أوسع من أن يحيط بها العقل البشري المحدود. من هنا استغرب أن تُبنى كل هذه التوقعات والاستنتاجات العلمية التخيلية على تغريدة إحدى المغردات أو بمحض تخمين الكاتبة نفسها عندما تقول «صار تخميني أن ذلك النقصان ربما يرجع لخروج الأوكسجين من كافة الخلايا في الجسد مما يؤدي لانكماش كتلة الجسد إلا أنها زادتني حيرة بعدما أخبرتني أن سؤال الدراسة أجاب عن فرضية هذا السر بلغز آخر محير وهو أن كتلة الجسد في الحيوانات لا تنقص فور خروج الروح منها بالوفاة»، وتتابع الكاتبة قائلة «مما يعني أن كل ما حولنا من الضجيج الإنساني المليء بالعواطف والمشاعر المترسة بالأحقاد أو المثخنة بالجروح وما تخلفه من عداوات وتدمير هائل بحق الإنسانية يفضي للمنازعات والخصومات والقتل والهلاك وإبادة الحضارات ليس إلا كتلة روح تزن 0.5 كيلو جرام». لاحظوا هذه اللفظة كتلة روح تزن؟ كل الموغلين في علوم الفيزياء والكيمياء والنفس لم يستطيعوا أن يهتدوا إلى كنه جزيء من ماهية الروح فضلاً عن محاصرة شيء من ماهيتها! والكاتبة بتخمينها تقول كتلة من روح!! ستظلين تبحثين وقد يستغرق بحثك عمرك المتبقي برمته ويقيناً لن تصلي إلى استنتاج يفضي إلى إدراك شيء عن علاقة الروح بالجسد وحتى أولئك المغرورين بعلمهم المزهوين بمحاكاتهم سوف تقصر هممهم عن بلوغ هذا المرتقى الصعب؟! لأن الروح غيب استأثر الله بعلمه ولا يدركه سواه يقول جلّ وعز {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} هنا يتضاءل العلم البشري قصوراً ثم تنتقل الكاتبة إلى التطرق إلى عبارة عجيبة عندما تقول: «إلا أن الحقيقة القرآنية المؤسفة أن كل النصوص الإيجابية في القرآن الكريم وفي التراث الإسلامي بشكل عام تكاد لا تدرك في محافل الدعم النفسي أكثر من غلبة نصوص الوعيد ولوم المذنب وهي استشهادات لا تليق بمكان يقف فيه يائس أو حزين أو فاشل»، وهنا قدح واضح في شمولية النص القرآني لكل ما هو إيجابي ويحتمل وجود ما هو سلبي موازاة بالتراث الإسلامي! وهنا خطأ جسيم في التصور يجب أن يراجع كما أن العباد والنساك أثبتوا من خلال اتصالهم بخالق الروح سبحانه أن إطالة السجود لله في امتثال وتبتل هو العلاج الذي لا يضاهي لاعتلالات الدماغ وبلاياه مما يجلبه الإنسان على نفسه ودماغه من نكوص في التفكير والعنت وإرهاقه بجرعات متتالية من العادات الضارة والمخالفات التي تنتهي به إلى الفشل أو العطب والهلاك، بينما الناجحون هم ذلك النسيج المتصل بكتاب ربهم وهديه لا يعرفون الفشل ولا يقفون عند مساربه وعتمته! أتذكر عندما يمارس الشخص الذي يتولى غسيل الميت أنه يقوم بمسح بطن الميت ويكرر ذلك لتخرج من بطنه ما تبقى من فضلات ومواد هي من دلائل الحقارة والضعف البشري المهين الذي يكتنفه ذلك الإنسان الذي يطغى أحياناً وينسى أصل خلقته وجبّلة طباعه وأنه خلق من ماء مهين وهنا يطيب لي أن أحيلك أيتها الكاتبة الكريمة وأنا كثيراً ما أقدر طاقتك العلمية الكبيرة وبحثك المتنامي إلى فلسفة الموت لدى الرافعي حيث يقول: إن تنازع البقاء مذهب بقري لا إنساني! سألت القبر أين المال والمتاع؟ أين الجمال والسحر؟ وأين الصحة والقوة؟ وأين المرض والضعف؟ وأين القدرة والجبروت؟ وأين الخنوع والذلة؟ قال: كل هذه الصور فكرية لا تجيء إلى هنا لأنها لا تؤخذ من هنا! فلو أنهم أخذوا هدوء القبر لدنياهم وسلامه لنزاعهم وسكونه للعبهم لسخروا الموت فيما سخروه من نواميس الكون!