عند الرحيل من هذه الدنيا، البعض يترك غرساً فيه كثير من الايجابيات، وأثراً ناصع البياض. سبق ان اجتهد وزرعه بكل جوارحه وسقاه بجهده وفكره وطيبته وتواضعه وإحسانه وبشاشة وجهه. وفوق ذلك صدقه مع خالقه عز وجل ومن ثم مع نفسه ومع الاخرين في حقوقهم واعراضهم. واحسب أخي الحبيب د. سلطان بن بدر بن هايف الفغم -يرحمه الله- قد من الله عليه بكل ذلك واحسبه كذلك والله حسيبه. عرفته -رحمه الله- خلال زيارته لإخوانه في بريطانيا عندما كنت أدرس هناك، ويعلم الله انني منذ اللحظة الاولى التي قابلته فيها اشعر وكأنني اعرفه منذ سنوات طويلة، كان -يرحمه الله- حسن المعشر لطيفاً كريماً خلوقاً هادئ الطباع ذا شخصية محبوبة من النوع الذي مجرد ان تراه تحب شخصيته، ان واقعه وخصاله الكريمة لا يمكن ان تختزل في حروف قليلة وفوق ذلك حزينة. وليس لي الا ان اقول كما قال الشاعر: وتتحدث الاقلام إذ نتألم ويجيب صوت الحرف إذ نتلعثم وتسطر الأقلام بعض مواجعي والبعض منها لا يجيب ويكتم ولقد كتبت اليوم معنى صادقاً وسكبت وحي الحب حرفاً يُفهم نعم ستكتب عنك حروف من الحب ومعنى صادقاً، بل ستتلعثمُ الاقلام مثل ما نتلعثمُ.. كنت اول امس أتحدث عنه ودخلت احدى قريباتي وقالت أتعرفونه شخصيا؟ قلت نعم.. قالت والله كنت امس أقرأ نعيه في الجريدة ودمعة عيني ودعوت له دون ان أعرفه أو حتى أعرف أنكم تعرفونه، يشهد الله انني فرحت بهذا الموقف لأنه تأكيد على نزول المحبة من الله في قلوب الناس، بل ان أحد اخواني قال لقد احببته دون ان اعرفه من ذكركم الطيب له، أما والدي -حفظه الله وأبقاه- عندما قرأ عن سيرته دعا له بالمغفرة والفردوس الاعلى وجميع المسلمين. وقال هذا فقيد الوطن قبل ان يكون فقيد قبيلة مطير وأسرة الفغم الكريمة، واردف انه يتمنى من وزارة الصحة ممثلة بالشؤون الصحية للمنطقة الشرقية ان تتبنى إقامة مستشفى أو مستوصف متخصص في تخصصه ويقام في الارض التي عاش فيها طيلة صباه، لأنه رحمه الله من الذين خدموا وطنهم بإخلاص، بل لم يقتنع بعطائه وتأكد من أن قدراته إن لم يستغلها في خدمة وطنه فان هذا قد يعتبر نوعاً من التقصير وهذا ما جعله يزهد في الراحة فواصل ثم واصل مرة اخرى واخرى.. حتى حصل على شهادتين في طب الاسنان والطب البشري وهو من القلائل الذين حصلوا على هاتين الشهادتين وتوفي -يرحمه الله- وهو يواصل مشواره العلمي الكبير. لا نملك ونحن قد ودعناه الوداع الاخير في هذه الدنيا إلا أن ندعو الله عز وجل ان يجمعنا به في جنات الفردوس ووالدينا وكل من نحب والمسلمين اجمعين. وانني في الوقت الذي اعزي نفسي فيه أرفع أحر التعازي لكل أسرته الكريمة ووالدته واخوانه واخواته وزوجته وبناته واعمامه واخواله وكل اقربائه بل اعزي قبيلة مطير وآل فغم الكرام والوطن الذي فقد جندياً مخلصاً قدم ولم يرض إلا أن يقدم الافضل في مجالات الطب.. أدعو الله عز وجل أن يشمله برحمته الواسعة وان يجعل قبره روضة من رياض الجنة. ونحمد الله سبحانه وتعالى الذي جعلنا مسلمين ونؤمن بقوله تعالى: (كل من عليها فان ويبقي وجه ربك ذو الجلال والاكرام). وانا لله وانا اليه راجعون.