منذ 11 ايلول 2001 وعلى مدى ما يقارب من أربع سنوات لم تكف الولاياتالمتحدة عن الترويج لتوقعات حدوث عمليات كبرى تستحق من أمريكا مثل كارثة 11 ايلول، وقد لاحظنا استغلال الادارة الأمريكية في الأسابيع الماضية لأحداث لندن وشرم الشيخ وتبث امريكا الكثير من التقارير التي تتحدث عن مخاوف من عمليات وشيكة ستعصف بامريكا التي ظلت حتى اليوم بمنأى عن أية عملية انتحارية او ارهابية حتى لو كانت صغيرة، وأصبح الارهاب موجهاً ضد بقية العالم ما عدا امريكا التي تدعي ان الارهاب موجه ضدها. يبدو اليوم واضحا أكثر من أي وقت أن الولاياتالمتحدة بدأت التخطيط منذ مطلع القرن الماضي للوصول إلى الانفراد بحكم العالم مع بدايات هذا القرن وعلى سبيل المثال فان نوايا التواجد العسكري في مياه الخليج هي نوايا قديمة وتم الافصاح عنها في العام 1978 في عهد الرئيس كارتر، يوم جرى الحدث عن «قوات الانتشار السريع» وما رافق ذلك من نظريات بشأن هذه المسألة وكما هو معروف بأن الولاياتالمتحدةالامريكية طرحت منذ مطلع التسعينات استراتيجية تجاه العراق وايران وتحت عنوان «الاحتواء المزدوج» وقد ظل بارزا التوجه الأمريكي للسيطرة على أفغانستان كممر آمن لأنابيب النفط، وقد تمكنت الولاياتالمتحدةالامريكية من التمدد العسكري في مياه الخليج بعد احتلال العراق للكويت، وحققت طموحها باحتلال افغانستان بحجة محاربة الارهاب كما احتلت العراق في اطار الحرب الوقائية التي تهدد بها الجميع، ولم تضيع يوما واحدا بعد سقوط بغداد، إذ أطلقت حملة اعلامية منوعة ضد كل الدول العربية وبشكل خاص مصر والسعودية والمغرب كما بدأت بممارسة ضغوط سياسية ضد سوريا وإيران. والحقيقة التي لا يجوز تجاهلها أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتبر نفسها القوة الوحيدة في العالم، وترى أن من حقها الوصول الى أهدافها بكل الوسائل وهي إن كانت قد أثبتت حتى اليوم أنها يمكن أن تشن حربا ضد بلد ما دون أن تستند إلى مبررات أو حجج مقنعة، وأن تقوم بعدوان او تحتل بلدا آمنا بلا أسباب، ولكنها ظلت تفضل اختلاق الأسباب والحجج والمبررات لتنفيذ غايتها، وهنالك سياسات امريكية نفذت في الماضي في اطار هذا المخطط اعتمادا على تلفيق تهم أو اختلاق مبررات، ومن المؤكد أن الجوانب الخفية في المخطط الأمريكي اليوم تطورت وأصبحت أكثر دقة واحكاما، وسيظل ما حدث في العراق وما يلي ذلك من تداعيات ووقائع لغزا تاريخيا لن يكشف الا اذا انهارت الامبراطورية الامريكية لكن هذا لا يمنع من استرجاع خفايا مؤامرات نفذت في الماضي وتم الكشف عنها وقد صدر مؤخرا كتاب تحت عنوان «مجموعة أسرار» في الولاياتالمتحدةالامريكية أثار ضجة واثار اهتماما واسعا للكاتب «جيمس بامفورد» الذي يتحدث عن عمليات نفذها الجيش الامريكي وألصقت بآخرين ومن عمليات نفذت في العام 1964 تحت عنوان «غابات الشمال» لحشد تأييد الرأي العام الأمريكي عن طريق القيام بأعمال منظمة تتولى قيادة الاركان الامريكية بحيث تبدو وكأنها عمليات ارهابية عربية ضد مصالح الشعب الأمريكي ويظهر الكتاب ان هناك تشابها كاملا بين الخطة الأمريكية التي وضعت لغزو كوبا وبين الخطة التي اعتمدت في 11 أيلول لتبرير احتلال أفغانستان في العام 2001 تحت شعار «محاربة الإرهاب» واحتلال العراق تحت شعار «الحرب الوقائية» واحداث التغيير القصري في المنطقة لأن مجتمعاتها متهمة بأنها تحتضن التطرف وغير ذلك، ويتوقف الكاتب عن التماثل في أحداث 11 أيلول وأحداث كوبا التي تم اخفاء معظم وثائقها التي تشهد أن الجيش الأمريكي له مصلحة في حدوث هذه العمليات ويشير إلا أنه من غير المعقول ان يحدث هجوم 11 أيلول دون أن يتحرك الجيش الأمريكي، وهذا ما دعا مرشح الرئاسة الأمريكي السابق «لندن لاروس» للقول إنه ليس من الممكن ان تتم أحداث 11 أيلول دون تعاون بعض الجهات الأمنية والعسكرية داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، اما خطة غابات الشمال كما أبرزها الكتاب كما كان يرمز لها في قيادة الأركان الأمريكية فقد قدمها رئيس الأركان الأمريكي لمنزاير في يوم 13 آذار 1962 في تقرير سري للغاية للعرض على الرئيس ووزير الدفاع في ذلك الوقت. وقدمت الخطة بعد الموافقة الكتابية لجميع أعضاء قيادة أركان الجيش الأمريكي، واقترحت القيام بعمليات ارهابية داخلية، وقتل مدنيين امريكيين في شوارع المدن الأمريكية لتحريك الرأي العام للموافقة على احتلال كوبا، وتقديم التغطية الدعائية والإعلامية اللازمة للقيام بعملية الاحتلال مع حشد التأييد العالمي لذلك. وفي وثيقة سرية للغاية بعنوان «تبرير التدخل العسكري الأمريكي في كوبا» تؤكد قيادة الأركان أن القرار السياسي بالتدخل العسكري يمكن أن يظهر كنتيجة طبيعية لمعاناة الشعب الأمريكي التي ستظهر واضحة عقب تنفيذ عملية «غابات الشمال» التي ستتهم كوبا بالتخطيط لها مما سيظهرها بأنها خطر جديد وغير متوقع ضد الحضارة الغربية وضد الشعب الأمريكي. وتضمنت الاقتراحات المقدمة اختيار مجموعة من الكوبيين الموالين لأمريكا وتوجيههم لارتداء الملابس العسكرية الكوبية والقيام بالتظاهر أمام احدى القواعد الامريكية في البحر الكاريبي، واشعال الحرائق في القاعدة واختطاف سفينة حربية وتدميرها، ويمضي التقرير مقترحا تدمير بعض السفن الأمريكية الأخرى، والقاء التهمة على كوبا. أما على المستوى المحلي، فيقترح التقرير القيام بعمليات إرهابية في منطقة ميامي بولاية فلوريدا حيث تتركز الجالية الكوبية، اضافة إلى تهديد العاصمة واشنطن أيضا، كما يقدم التقرير توصية بامكانية احراق واغراق سفينة من سفن اللاجئين الكوبيين وهي في طريقها الى فلوريدا، والقيام بمحاولات اغتيال لبعض شخصيات الجالية الكوبية المتهمة بمعاداة كوبا، والصاق التهمة بفيدل كاسترو لاثارة الرأي العام العالمي. ويقترح التقرير نشر أسماء الضحايا للشعب الامريكي في الصحف ويتنبأ التقرير أن «نشر قوائم الأسماء في الصحف سيكون ذا اثر في استثارة الشعب» وتضمنت الخطة ايضا تفجير بعض القنابل البلاستيكية على أهداف محلية مختارة بعناية. ونشر خطابات معدة مسبقا والادعاء أن الإرهابيين قد كتبوها قبل قيامهم بهذه العمليات! ويختتم التقرير بفكرة هامة بمجموعة محاولات لاختطاف طائرات مدنية وسفن ركاب أمريكية. ومن ثم إسقاط طائرة مدنية أمريكية فوق الأجواء الكوبية واتهام فيدل كاسترو بإعلان الحرب على أمريكا لهذه الفعلة وفي وثيقة سرية لقيادة الأركان كتب رئيس الأركان ان «كل من الرأي العام العالمي ولجان الأممالمتحدة ستتأثر إيجابياً عند إظهار كوبا بشكل الكيان الخطير والمهدد للسلام العالمي ولأمن الجزء الغربي من العالم». ولإقناع الرئيس جون كيندي اقترح رئيس الأركان جون لمينز اير أن «الأمل هو أن يتم إعداد حكومة كوبية بديلة في المنفى، وانزال بعض القوات البرية على سواحل كوبا، ودعوة المعارضين لنظام كاسترو لبدء عمليات عسكرية ضد نظام كوبا، ومن ثم يتدخل الجيش الأمريكي لمعاونتهم».. وأنهى الجنرال الأمريكي فكرته بأن «الخطط جاهزة للقيام بهذه العملية»... وكتاب «مجموعة أسرار» ليس الكتاب الوحيد فقد صدرت كتب عديدة ودراسات كثيرة حول هذا الموضوع. لكن ربما كان من المفيد أيضاً التوقف عند قضية حقيقية أثارت ضجة عند الكشف عنها في منتصف السبعينات، وقد أعادت أكثر من صحيفة وأكثر من كاتب التذكير بها في الآونة الأخيرة وتتلخص بما يلي: في عام 1971م نشرت صحيفة نيويورك تايمز مجموعة من الوثائق الأمريكية العسكرية السرية حول حرب فيتنام تدخلت إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون لوقف عملية النشر.. إلا أن مجلس القضاء الأعلى سمح للصحيفة بمواصلة نشر تلك الوثائق تحت عنوان: «أوراق البنتاجون». كان دانيال أيلسبرج أحد الخبراء في البنتاجون الذين عملوا على وضع تلك الأوراق، وكان هو من سرّب تلك الأوراق إلى الصحيفة الأمريكية يعترف ايلسبرج انه بناءً على طلب القيادة العسكرية والسياسية في وزارة الدفاع، عكف في عام 1965 على إعداد مجموعة من القصص التي تتهم الفيتناميين بارتكاب المجازر من أجل تبرير استخدام أسلحة مدمرة ضدهم ويعترف أيضاً أن كل القصص التي أعدها وروجتها وسائل الإعلام الأمريكية لم تكن صحيحة وكانت من صنع مخيلته فقط. وانه استناداً إلى تلك المجازر الوهمية ردت القوات الأمريكية بارتكاب سلسلة من المجازر الحقيقية فكان من نتيجة عمله تضليل الرأي العام الأمريكي والرأي العام العالمي من جهة، وتغطية الجرائم الجماعية المرعبة التي ارتكبتها القوات الأمريكية وفي يقظة ضميرية أراد ايلسبرج أن يسترضي ضميره المعذب فسرب الوثائق بالغة السرية إلى الصحافة اعتقاداً منه أن ذلك سوف يساعد على تسريع وقف الحرب.. وتالياً على إنقاذ أرواح بشرية أمريكية وفيتنامية كثيرة. من الوثائق التي سربها أيضاً، اعترافات لوزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت روبرت مكنمارا رددها وهو في طريق عودته إلى واشنطن بعد تفقد القوات الأمريكية في فيتنام الجنوبية، قال فيها: «إن الوضع على الأرض أسوأ وأخطر مما يبدو لنا، مع ذلك فما أن حطت طائرته في القاعدة العسكرية بواشنطن حتى أعلن: اننا نحقق تقدماً كبيراً في كل ميدان من ميادين القتال!!». أدرك ايسلبرج أن قرار تصعيد الحرب في عهد الرئيس ليندون جونسون كان يعتمد على معلومات كاذبة وعلى إخفاء الحقائق عن الرأي العام.. وحتى عن الكونغرس.. فكان قراره بالكشف عن الحقائق لقطع حبل الكذب.. ومن ثم لتسفيه أي تبرير للتصعيد العسكري وحتى باستمرار الحرب. عندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز «أوراق البنتاغون» اتهم ايلسبرج وحوكم، وحكم عليه في عام 1973 وعندما غرقت الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت في وحول من الفضائح السياسية والعسكرية حول حرب فيتنام فتحول الرجل إلى بطل وطني ليس لأنه فضح إدارة فاسدة ولكن لأنه ساعد على تسريع وضع نهاية الحرب. لا أريد أن نسترسل في استذكار أمثلة من افتعال أمريكا لأحداث أو ارتكاب جرائم لتبرير حروبها لكن المؤسف هو أن تلك المعارك والحروب والتحولات كانت صغيرة الأهداف ومحدودة قياساً على الهدف الأكبر اليوم وهو تغيير المنطقة وصهرها في بوتقة النظام العالمي الجديد كمرحلة في طريق إعادة تشكيل العالم .