يُعد التعاون بين الأسرة والمدرسة من العوامل الضرورية لنجاح العملية التربوية والتعليمية، فحياة الطلاب والطالبات الدراسية جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية خلف جدران المنزل، وبالتالي فإن المدرسة تعد شريكاً أساسيّا في عمليّة التنشئة الاجتماعية والفاعل المؤثر في حياة الطلاب والطالبات على حد سواء. وتُعد مجالس الآباء والأمهات واللقاءات الشهرية القنوات التربوية الأبرز لتحقيق هذا التواصل بين البيت والمدرسة، كما أن زيارة ولي الأمر المستمرة للمدرسة من الممكن أن تكشف عن جوانب مهمة من شخصية الطالب أو الطالبة، وذلك في الجوانب النفسية والصحية والسلوكية والدراسية، ففي كثير من الأحيان لا يتمكن المعلم أو المرشد الطلابي من اكتشاف هذه الجوانب لوحدهما، وإنما عبر هذه اللقاءات. ولا شك أن العديد من أولياء أمور الطلاب والطالبات قد لا يدركون أهمية هذه اللقاءات التي تسهم في تعزيز مبدأ الشراكة التربوية والتعليمية والاجتماعية بينهم وبين المدرسة؛ مما أدى إلى حدوث فجوة واضحة بين الشريكين في هذا الجانب، وهو الأمر الذي أكدته عدد من الطالبات وأولياء أمورهن، إلى جانب عدد من المختصات في الشأن التربوي. هموم مشتركة في البداية أكدت "فاطمة الفيفي" -مديرة إحدى المدارس الابتدائية بمحافظة فيفاء- على أن هناك العديد من الهموم المشتركة داخل الميدان التربوي، ومن ذلك مشكلات التأخر دراسي وبعض المشكلات السلوكية، مضيفة أن الخطة العلاجية تتطلب التعاون بين الأسرة والمدرسة، مشيرة إلى أن غياب الأسرة أو تقصيرها في تأدية دورها ضمن هذه الخطة سيؤدي بشكل كبير إلى فشلها أو وأدها في مهدها. وقالت "كاديه الفيفي" -مديرة إحدى المدارس المتوسطة بمحافظة فيفاء-:"نحن نعاني كثيراً من عدم تجاوب العديد من الأمهات معنا في حضور مجلس الأمهات ومناقشة قضايا الطالبات"، مضيفة أنه بالرغم من الإعلان مسبقاً عن مواعيد المجالس وإرسال خطابات دعوة للأمهات مرفق بها محاور النقاش، إلى جانب التواصل معهن هاتفياً وإشعارهن بالمواعيد، إلا أن عدد من يحضرن منهن لا يتجاوز (10) أمهات أو أقل من ذلك، موضحة أن غالبيتهن من أمهات الطالبات المثاليات في المدرسة. اجتماع الأمهات أكثر حضوراً وإنصاتاً لملاحظات المدرسة قصور واضح وأيدتها في ذلك "مريم فارس" -مديرة إحدى المدارس الثانوية بمحافظة فيفاء-، مضيفة أنه رغم ما للتواصل الهاتفي والالكتروني مع أسرة الطالبة من أهمية في الرفع من مستواها العلمي، إلاّ أن هناك قصوراً واضحاً من قبل العديد من الأسر في هذا الجانب، مشيرة إلى أنه لا يتم الحصول على الأرقام الهاتفية ولا عناوين البريد الالكتروني الخاصة بأمهات العديد من الطالبات بسهولة. ولفتت إلى أنه رغم أنه يتم الحصول عليها من الطالبات، إلا أن العديد منهن يتعمدن تزويد المدرسة بأرقام وعناوين خاطئة في كثير من الأحيان، إلى جانب أنهن يقمن بإتلاف دعوة الحضور؛ لكي لا تحضر أمهاتهن إلى المدرسة ومن ثم يتم إطلاعهن على المستوى الحقيقي لبناتهن أو إبداء بعض الملاحظات التي تتعلق بجوانب سلبية عنهن. تواصل دائم وأشارت "محسنة الثويعي" -مرشدة طلابية- إلى أنها نجحت في تنفيذ مشروع بسيط حقق تواصل دائم مع أمهات العديد من الطالبات، مضيفة أنها أنشأت مجموعات "قروبات" عبر برنامج "واتس أب" وجمعت أمهات طالبات كل صف دراسي في "قروب" مستقل، مبينة أنها وجدت تجاوباً كبيراً ومشاركة جيدة وتواصل مستمر مع العديد منهن، لدرجة أنها أصبحت تجد صعوبة في متابعة هذه المجموعات، ومع ذلك فإنها ضمنت التواصل الدائم والشراكة الناجحة معهن في كل ما من شأنه مصلحة بناتهن الطالبات. حلول بديلة وعن البدائل التربوية للتواصل مع أسر الطالبات، قالت "عائشة الحكمي" -معلمة-:"في ظل عدم تجاوب كثير من الأمهات وتقاعسهن عن حضور مجالس الأمهات، أصبحنا نبحث عن حلول بديلة تساعد على إيجاد نوع من التواصل بين البيت والمدرسة"، مضيفة أن من هذه البدائل إبرام عدد من الاتفاقيات مع بعض مؤسسات المجتمع، مثل "دار التقوى" وغيرها؛ وذلك لتنفيذ عدد من البرامج التوعوية الموجهة لأسر الطالبات خارج أوقات الدوام الرسمي، مشيرة إلى أنه تم تضمين هذه البرامج توجيه العديد من الملاحظات والتوجيهات. اختبار حسّن كشف مستوى العلاقة بين المدرسة والبيت ساحة جدل وتحدثت بعض الأمهات عن مشكلة الفجوة التي يعانينها مع المدرسة، إذ أبدت "نورة الفيفي" استياءها من طريقة تنفيذ مجالس الأمهات، وقالت:"بتنا نتجنب حضور مجلس الأمهات؛ لكونه يتحول في الغالب إلى ساحة جدل واسعة وخلافات كبيرة يتم التركيز عبرها على الجوانب السلبية لدى الطالبات بشكل أكبر من تقديم الحلول المقترحة للعلاج. وأبدت والدة الطالبة "جميلة العمري" انزعاجها من مناقشة بعض السلوكيات السلبية للطالبات أمام الملأ في مجلس الأمهات، مشيرة إلى أن ذلك جعلها تصرف النظر عن إجابة دعوة الحضور لمجالس الأمهات. وأيدتها في هذا الشأن والدة الطالبة "مريم الحكمي"، مضيفة أنه على الرغم من كونها تسمع أن إدارة المدرسة التي تدرس بها ابنتها تُردد بين الحين والآخر على مسمعها أنها تُرسل لها دعوات لحضور مجلس الأمهات، إلى جانب أنها تتصل بالمنزل هاتفياً، إلا أنه لم تصلها أي دعوة ولم يرد إليها أي اتصال.ولفتت "ريهام العبدلي" -طالبة- إلى أن من الأمور السلبية التي تتعلق بتنظيم مجالس الأمهات أن مديرة المدرسة التي تدرس بها لا تستقبل والدتها بالشكل اللائق، مضيفة أنه يتم تركها فترة طويلة في الخارج لدى "المستخدمة" قبل أن يتم السماح لها بدخول المدرسة والتوجه إلى إدارة المدرسة، مشيرة إلى أن ذلك أدى إلى امتناع والدتها عن حضور هذه المجالس لهذا السبب. حوافز معنوية وأشارت "نجوى عباس عقيل" -مساعد مدير إدارة الجودة الشاملة بمنطقة جازان- إلى أنه من المهم أن تتوافق الاتجاهات التربوية والتعليمية للأسرة مع سياسة واتجاهات المدرسة، موضحة أن معظم الانحرافات في سلوك الطلاب تكون نتيجة للتعارض بين اتجاهات كلا الشريكين في تربية وتعليم النشء؛ مما يؤثر سلباً على شخصية الطالب، فيكون ذا شخصية متذبذبة غير مستقرة حائرة بين ما تعلمته في المنزل وما تمليه عليها المدرسة، ومن ثم تبدأ انحرافها من بحثها عن الاستقرار. وأكدت على أنه مما يزيد الأمر سوءاً الانتماء إلى أصدقاء السوء، ومن هنا وجب على المدرسة أن تتفنن في توفير كافة الحوافز المعنوية لتعزيز زيارة ولي أمر الطالب أو الطالبة للمدرسة، وذلك باستخدام نماذج إرشادية لدعوتهم، على أن تحمل عبارات تُشعر الوالدين بأهمية تواجدهما في المدرسة ومشاركة أبنائهم في المجالس والمناسبات المدرسية، لافتة إلى أن ذلك سيساعد كثيراً في استقطاب أكبر عدد لمجالسها، وبالتالي التشاور والاتفاق مع المدرسة على نمط تربية سليمة تُحقق الاستقرار النفسي للطالب والطالبة وتجعل كلاً منهما واثقاً من نفسه وقدراته. أم تمضي بابنتها إلى المدرسة بحثاً عن ثقة ومستوى وعلاقة إيجابية مجلس للحوار وأقرَّت "لطيفة بنت علي الفيفي" -مساعدة مديرة مكتب التربية والتعليم للشؤون التعليمية بمحافظة فيفاء- بوجود فجوة واضحة بين الأسرة والمدرسة، مشيرة إلى أن كل طرف يُلقي باللوم على الآخر، فالمدرسة تشكو من عدم تجاوب الأسرة معها أو تجاوبها بشكل سلبي يترك أثراً غير إيجابي على الطالبة، بينما ترى الأسرة أن المدرسة تُصعِّد العديد من المشكلات التي لا تستوجب هذا التصعيد، وعند حضور الأم للمدرسة تجد اللوم والشكوى من معظم منسوبات المدرسة، إلى جانب عدم معرفتها إلى أين تتجه وأين تجلس. وأضافت أن هناك بعض الاستراتيجيات التي يعمل بموجبها مكتب التربية والتعليم بفيفاء حالياً لتقليص تلك الفجوة وإحداث نسبة توافق مرضية بين الطرفين، وقالت:"سعينا في المكتب لإيجاد حلول لهذه المشكلة عبر عقد مجلس للحوار في نهاية العام الدراسي الماضي، إذ جمعنا فيه نخبة من كلا الطرفين، وتم الخروج بحلول هادفة، من ضمنها تجهيز مقر ثابت في كل مدرسة لاستقبال الأمهات بكل حفاوة وترحيب بما يُشعرهن بفرحة المدرسة بحضورهن، كما تم تشكيل فريق عمل على مستوى المكتب يضم عضوات من أمهات الطالبات يعملن على إبراز الدور الايجابي للمجتمع كشريك تربوي وتعليمي". وأوضحت أن من بين مهام الفريق بث رسائل دورية لتوعية المجتمع بأهمية التواصل بين المنزل والمدرسة وفق أهداف محددة وموحدة، مشيرة إلى أنه تمت الاستعانة بأمهات الطالبات في نشر تلك الرسائل عبر مواقع التواصل. شراكة فاعلة وشددت "د. يسرى سالم اليافعي" -مديرة إدارة الإرشاد النفسي والاجتماعي بالإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بوزارة التربية والتعليم- على ضرورة وجود شراكة فاعلة بين البيت والمدرسة؛ لكي تكون العملية التربوية والتعليمية ناجحة وتؤتي ثمارها في تربية وتعليم الطلاب ورفع مستواهم التربوي والنفسي والاجتماعي، مشيرة إلى أنها عملية تكامل للأدوار ولا غنى لأحدهما عن الآخر، مبينة أن عدم اكتمال دورهما ستؤدي إلى حدوث فجوة كبيرة بينهما. وأضافت أن من أسباب الفجوة بين البيت والمدرسة عدم وعي أولياء الأمور بأهمية الشراكة والصلة بين البيت والمدرسة؛ مما يؤدي إلى اتكال كل طرف على الآخر في عملية التربية والتعليم، موضحة أنه قد توجد كذلك عقبات وصعوبات تعترض طريق أولياء أمور الطلاب وتحول دون تواصلهم مع المدرسة، ومن ذلك عدم توفر وسيلة مواصلات مع بعد المسافة، كما أن ضعف المدرسة في التواصل مع أولياء الأمور وتوضيح أهمية الترابط والتكامل بين البيت بالمدرسة وأنها عملية لا تنفصل يُعد أيضاً من أهم أسباب وجود تلك الفجوة. تقليص الفجوة واقترحت "د. يسرى اليافعي" جملة من الحلول لتقليص الفجوة بين البيت والمدرسة بما يحقق مصلحة الطلاب والطالبات، ومن ذلك زيادة وعي أولياء الأمور بالدور التربوي والتعليمي المناط بهم، وإعداد وتنفيذ برامج هادفة تركز على دورهم في العملية التربوية التعليمية، على أن تكون هذه البرامج جاذبة ومناسبة للمستوى التعليمي والاجتماعي للأسرة، إلى جانب إشراكهم في بعض القضايا الطلابية التي تُحسِّن من مستوى التربية والتعليم بشكل عام ومستوى الطلاب بشكل خاص، كإشراكهم في المجالس الاستشارية المدرسية والأعمال التطوعية المناسبة مع رفع البناء المعرفي للهيئة الإدارية والإرشادية في المدرسة عبر الدورات التدريبية وورش العمل وغيرها، خاصة التي تركز على إنجاح الصلة والشراكة الهادفة، داعية إلى ضرورة اختيار الوقت والمكان المناسبين لعقد مجالس الآباء والأمهات في المدرسة واستخدام التقنيات الحديثة التي تُسهِّل عملية التواصل بين الشريكين. الاختبارات الفصلية لا تعكس غالباً مستوى العلاقة الإيجابية بين الأسرة والمعلمين