تتسم مرحلة الشباب غالباً بالانفصال التدريجي عن الأهل والاقتراب من مجتمع الأصدقاء، وتحديداً في الحالات التي يجد فيها الشاب أنّ أوضاعه المعيشية قد تحسنت كثيراً؛ مما يجعله قادراً على الاستغناء عن دعم والديه المادي والمعنوي، وحيث إنّ الشباب يمثلون جزءاً كبيراً من كيان والديهم فهم يشكلون ما يجعل الآباء والأمهات مرتبطين بهم بشكل يصعب معه الانفصال؛ إذ قد يحدث تجاوب مع هذا الارتباط تجاه أهليهم، وقد تحدث في المقابل رغبة في الانسلاخ والتعود على الاستقلال، من خلال الخروج المتواصل مع الأصدقاء، من دون إعارة أهله الاهتمام والرعاية. التجمعات الشبابية لا تكون على حساب تحمل المسؤولية وأصبح من الممكن لأي شخص أن يتعرّف على الرجل المهمل لبيته، من خلال عدم اهتمامه بما يحتاجونه، وترك تفقدهم بين حين وآخر، كما أنّه لا يتدخل ولا يهتم بشؤونهم، فهو دائماً لديه اهتماماته الشخصية، إذ لم يفهم قانون الأولويات بشكل صحيح؛ مما أظهر ثقافة: ترك الأهل في المنزل من دون انتباه لأبسط حقوقهم عليه، ومع مواسم "المكشات" والنزهة البرية يقضي يومه مع أصدقائه، ويسهر معهم حتى هزيع من الليل، تاركاً وراءه عبارته المستفزة: "طالع مع أخوياي"، متجنباً مسؤولية القلق على أهله، وتلبية احتياجاتهم. «البلوت» اللعبة المفضلة لدى الشب إلحاح متكرر وبيّنت "نورة الرشيد" أنّه يفترض بزوجها أن يكون مسؤولاً كاملاً عن أسرته، موضحةً أنّه في الغالب بعيد جداً عن أبسط حقوق الأسرة، فهو دائم الانشغال مع أصدقائه، ولا يجلس مع أبنائه، ولا يتحدث معهم كثيراً، ظناً منه أنّ دوره كأب هو: توفير الطعام، والشراب، واللباس، والمأوى فحسب، وما دون ذلك هو دور الأم وحدها، التي تقضي معظم وقتها في المنزل ترعى الأبناء، وتهتم في شؤونهم بمفردها، بينما يمضي هو برفقة أصحابه لا يلبي احتياجات أهله، ولا يقضي حوائج البيت، إلاّ بعد إلحاح متكرر. السفر مع الأصدقاء فرصة للتجديد ولكن بحذر توازن مثالي وأوضحت "سحر الطريفي" أنّ تجاهل الرجل لشؤون منزله يكاد أن يكون أمراً عادياً ومتكرراً لدى البعض، حيث إنّ الإستراحات التي يجتمع فيها الشباب عادة لم يعد يقتصر ارتيادها على العزاب فقط، بل أصبح أكثرية مرتاديها من المتزوجين، مبيّنةً أنّ زوجها يجتمع كثيراً مع أصدقائه في استراحة مشتركة يقضي فيها معظم يومه، معتبرةً أنّ للاجتماعات جانباً إيجابياً إذا كانت بشكل مقنن، حيث إنّ الجميع محتاج للترفيه والاجتماع مع الاصدقاء، لافتةً إلى أنّ جوانبها السلبية تظهر حين يكون عدد الساعات التي يقضيها مع أصدقائه يفوق الساعات التي يقضيها مع أهله في المنزل، إذ يعتاد على الإهمال واللامبالاة وعدم تحمل أية مسؤولية تجاه أسرته، ما لم يحدث توازناً مثالياً في علاقاته الاجتماعية بين مجتمع الأهل ومجتمع الأصدقاء. متعة النزهة واعتبرت "أم عبدالرحمن" أنّ قضاء معظم الوقت مع الأصدقاء وإهمال الأهل يعدّ نوعاً من الاستهتار، فالفتى في سن معينة أول ما يحاول التمرد عليه هو سلطة الوالدين، والخروج من دائرة المنزل، إذ ليس بالإمكان أن يتحمل المسؤولية أو القدرة على فهم الحياة بشكل أعمق، مبيّنةً أنّ ابنها كثير الخروج مع أصحابه، حيث يقضي معظم الأوقات معهم، بل حتى متعة النزهة لا تحلو إلاّ مع أصدقائه، وفي الغالب يخطط في الإجازات للسفر معهم، معتبرةً أنّ هذا الاندماج الكلي مع مجتمع الأصدقاء ليس سببه المدرسة، ولا الشارع، ولا الإعلام؛ إنما بيئة الأسرة، المنزل الذي نشأ فيه، وجعل له الحرية المطلقة في وقت مبكر، مضيفةً: "لا يمكننا الضحك على أنفسنا وإخفاء أننا السبب الرئيس لذلك!". علاقات اجتماعية وأرجع "محمد المطيري" -مرشد طلابي- عدم تقبل المرأة لفكرة ارتباط الرجل بأصحابه إلى أنّ المرأة تعتبر بيتها عالمها، ويستحوذ على كل اهتماماتها وتفكيرها، أما الرجل فهو يعتبر المنزل سكناً يأوي إليه ويجد فيه الراحة، ولكنه في المقابل يجد في الخارج ما هو أكثر من الراحة والسكن، لافتاً إلى أنّ هناك أسباباً أخرى تدعوه للخروج من بيته، مثل وجود المشاكل المتكررة بين الزوجين وبالتالي فهو يخرج إلى حيث ما يراه صفاء وراحة، معتبراً خروجه فترة للنقاهة ومحاولة تجاوز للمشاكل، في حين أنّ المرأة تعتبره لا مبالاة وعدم اهتمام، وقد يكون لدى الزوج بعض الارتباطات الخارجية مع الأصدقاء وزملاء العمل؛ مما يبقيه خارج البيت فترة أطول. وأضاف أنّ السبب قد يكون في توسع علاقات الزوج الاجتماعية، حين يكون الرجل كثير الأصحاب، أو ربما لديه مجموعة كبيرة من الأصدقاء يشتركون في استراحة، وليس لازماً أن يكون هناك مشكلة بين الزوجين حتى يخرج من البيت، موضحاً أنّه قد يكون السبب عدم توافر الراحة التي ينشدها في المنزل، فحين يصبح البيت مصدر إزعاج له يختار الانسحاب من المكان والهروب من صخب أسرته، لافتاً إلى أنّ السبب قد يكون في تأثر الزوج بمرحلة العزوبية، وتعلقه الشديد بأصدقائه؛ مما يجعله يقضي الساعات معهم، ولم يفكر بأمر التغيير بعد زواجه واستقراره. احتياجات نفسية وقالت "وفاء الخزيم " -أخصائية اجتماعية-: "الصداقة باعتبارها علاقة إنسانية متميزة لها أبعادها النفسية والاجتماعية، سواء بالنسبة للشاب الأعزب أو المتزوج، مع التأكيد على الدور الذي تلعبه في تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي للإنسان في جميع مراحل حياته"، مؤكّدةً على أنّ الرجل يحتاج إلى وقت خاص يمضيه مع أصدقائه، إلاّ أن هذه الحاجة قد تجابه بالرفض من قبل الزوجة أو الأهل -في حال إهماله حاجات أسرته المادية والنفسية-، محاولين الاحتفاظ ببعض وقته لهم، منوهةً بأنّ على الرجل إيجاد الموازنة بين أدواره المختلفة في الحياة، وإتقان طريقة توزيع الوقت بين رغباته وأسرته، بحيث يتمكن من تلبية احتياجاتهم النفسية والاجتماعية، والتواجد معهم في جميع المناسبات. أولوية الاهتمامات وأضافت "وفاء" أنّه ليس بالضرورة أن تكون مثل هذه الثقافات لدى الشباب مسوغاً لإفساد علاقاتهم الأسرية، إذ يمكن للأسرة أن تحافظ على شخصية ابنها، وتوجيهها نحو ثقافة الاستقلال من دون انفصال، ولكن أحياناً يتعامل الأهل مع أبنائهم باستخدام السلطة، وأسلوب الأمر والنهي، والتهديد وبعضهم يستخدم أسلوب التهكم والسخرية، وقد يصل الأمر إلى إحباط الروح المعنوية للإبن؛ مما يجعل الشاب لا يحترم شعور أهله، أو لا يضعهم في أولوية قائمة اهتماماته، وأحياناً يكون لدى الأهل خبرات معينة تنعكس في تعاملهم مع أبنائهم. خوف وقلق وأشارت "وفاء" إلى أنّ الأبوين اللذين عاشا في بيئة اجتماعية ومتكافلة لا يسمحان لأبنائهما بإطالة المكوث عند الأصدقاء، بينما الوالدان اللذان عاشا في بيئة منفردة لا يجدان حرجاً في مسألة قضاء ابنهما معظم وقته عند أصدقائه، وحين يجد الابن تدخلاً عميقاً في حياته بطريقة مزعجة ومنفرة من قبل والديه فإنّه بلا شك سيضع مفاتيح أسراره كلها عند أصدقائه، وبالتالي يصبح الأصدقاء -بالنسبة إليه- شرياناً حقيقياً لا يمكنه قضاء يوم واحد بدونهم؛ مما يجعل الأهل يصابون بالخوف الزائد عليهم، فيدفعهم هذا الخوف لإعاقة نشاط أولادهم، ومنع خروجهم وإلغاء اشتراكهم في الرحلات والمناسبات المتنوعة مع أصدقائهم.