يوصف الرجل الذي يفضل الجلوس بمنزله وقتاً طويلاً بال«بيتوتي»، فهو لا يبارح مكانه حتى اليوم الثاني لعمله، وانقسمت النساء في ذلك بين مرحّبة بالعلن، ومتذمرة بالخفاء؛ وذلك لأنّ «البيتوتي» قد يكرّه المرأة في عيشتها، إذا كان من النوع «الحشري»، وقد تكون الجلسة معه لا تمل، إذا كان من النوع الذي يحب المرح؛ إذاً الرجل «البيتوتي» له إيجابيات وسلبيات، ولهذا تجيد المرأة الذكية استغلال جلوس زوجها بالبيت بأفضل الطرق، ولكن قبل ذلك لماذا يفضل هذا الرجل عدم الخروج من المنزل؟، وماهو تأثير ذلك على زوجته؟، وكيف سينعكس على علاقتهما؟. زوجاتنا حيّرونا إذا جلسنا في البيت قالوا «اطلعوا ملينا من وجيهكم».. وإن سهرنا مع ربعنا «أزعجونا وينكم»؟ ممارسة الهوايات وتذمر «فيصل القحطاني» من شكوى زوجته المستمرة، حيث تطلب منه الخروج والاختلاط بالجيران والأصدقاء وقضاء وقت فراغه بعيداً عن المنزل، ويكتفي بيومي الخميس والجمعة بالجلوس بالمنزل، إلا أنّه يرفض ذلك؛ لأنّه لا يحب الضجيج والعلاقات المتعددة، فهو متعود منذ صغره على «جلسة البيت»، مشيراً إلى أنّ له صداقات ويلبي الدعوات، إلاّ أنّه لا يحب الخروج المتكرر، ويفضل قضاء وقته بين أفراد أسرته الصغيرة واللعب مع أبنائه، موضحاً أنّه لا يتدخل في شؤون زوجته أو أمور المنزل، ويكتفي بمتابعة المباريات أو تصفح الإنترنت أو ممارسة هواياته البعيدة عن الإزعاج –على حسب قوله- وهي الرسم وبرمجة الأجهزة. بقاء الرجل في المنزل مدة طويلة يزعج كثيرا من النساء مساحة للزوجة وأكّد «عبدالله اليامي» على أنّه يحب جلسة المنزل، خاصةً أنّ والديه يعيشان معه بنفس المنزل فبعد العودة من عمله ينام قليلا ثم يقضي بقية اليوم معهما، ولا يخرج إلاّ للمسجد أو لقضاء لوازم ومتطلبات المنزل -إن وجدت-، مضيفاً: «زوجتي لا تشتكي من وجودي بالبيت، بالعكس، فهي سعيدة لأنّ قربي من والدي حبب أولادي في برهما أيضاً»، مبيناً أنّ ذلك سهل على زوجته تربية الأولاد والاهتمام بشؤون المنزل، حيث إنّه لا يمانع أبداً في مساعدتها إذا لزم الأمر، مشدداً على ضرورة أن يعطي الرجل زوجته مساحة لقضاء بعض الوقت مع نفسها، وأن لا تكون جلسته بالمنزل سبباً في تقييدها، فبعض الأزواج ال»بيتوتيين» يتعبون زوجاتهم بكثرة تدخلاتهم وطلباتهم التي لا تنتهي؛ مما جعل نساءهن يكرهن وجودهم المستمر بالمنزل. يفضل البيتوتي قضاء باقي يومه مع أسرته على الخروج من المنزل عادة طيبة وقال «حمد الشهراني»: «بالنسبة للرجل البيتوتي، هو انسان ساهمت ضغوط الحياة - سواء الاجتماعية أو المادية أو النفسية - في اختفائه بالمنزل؛ لشعوره الداخلي بالهروب منها، مع توافر عدد من العوامل التي تساعد على ارتياحه داخل البيت مع الأهل أو التقنية، وكل شخص منا قد مر بهذه المرحلة، حتى وان لم يشر لذلك، وهناك أشخاص تحسنت أمورهم الخارجية، واندمجوا في الحياة، وأشخاص استمرت معهم الحالة حتى أصبحت عادة يومية»، مضيفاً أنّه من واقع تجربه فإنّه يعتبر هذه العادة أمرا طيبا. رجل حشري وأشارت «أم خالد» أنّ زوجها ظهر لها بوجه مختلف بعد التقاعد، فحين فرحت جداً لأنّها ستقضي طيلة اليوم معه، حيث سيتسنى لها الحديث عن الأولاد وحياتهم المستقبلة، إلاّ أنّها تفاجأت بكونه أصبح رجلاً «حشرياً»، يتدخل بكل صغيرة وكبيرة بالبيت من حيث استقبال الضيوف، والترتيب والنظافة: مما جعلها تقترح عليه أن يخرج مع أصدقائه أو يستأجر له استراحة ليجتمعوا فيها، أو حتى يفكر بمشروع صغير يشغل به وقت فراغه، إلاّ أنّه يرفض بحجة أنّه يحب الجلوس بالبيت حتى يرتاح من عناء السنين الماضية. أنانية الزوجة وبيّنت «عزيزة سعيد « أنّها تفضل الرجل ال»بيتوتي»؛ لأنّ ذلك يمكّنها من التشاور معه في أمور حياتهما باستمرار، والتعاون في تربية أولادهما معاً، مضيفةً أنّه على الزوجة أن تعي حاجة زوجها للبيت، خاصةً بعد يوم شاق من العمل، وعليها أن تُهيئ له كل وسائل الراحة، وأن لا تكون أنانية لا تحب إلاّ نفسها وراحتها على حساب زوجها، وأن لا تطبق ما يناسب صديقاتها وقريباتها مع أزواجهن وتفرضه على زوجها. مشاركة بالحياة ولفتت «عواطف يحيى» إلى أنّ الرجل بيده أن يجعل لجلسته بالبيت طعماً مختلفاً، وذلك بمشاركته لزوجته بأمور الحياة، والنشاطات، والتعلم، والقراءة، وتربية الأبناء، مبينةً أنّ على الزوجة أيضاً أن تساعد زوجها كذلك بوضع برنامج مناسب للزيارات والسفر، وتغيير نمط الرجل ال»بيتوتي» الممل، الذي عُرف عنه من شدة فراغه أنّه يتدخل فيما لا يعنيه، حتى أنّ بعض الرجال أصبح يُعرف بالمنزل أكثر من زوجته، مؤكّدة على أهمية إشغال الرجل نفسه بأشياء مفيدة بالمنزل كالإصلاحات، أو زراعة الحديقة، أو تدريس الأبناء، والابتعاد عن التذمر والتشكي؛ حتى تسير السفينة بالطريق الصحيح، موضحةً أنّ وجود الرجل في البيت له مميزات ولكن بحدود؛ لأنّ المكوث لوقت أكثر من اللازم قد يجعله يتدخل في أمور المنزل ومتابعة كل صغيرة وكبيرة. شخص إنطوائي وأفاد «د.أسامة جابر» -أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة نجران- أنّ كلمة «بيتوتي» تطلق على الإنسان الذي يفضل قضاء جل وقت فراغه بمنزله مفضلاً ذلك على مخالطة الناس، وهذه الصفة يكون قد اكتسبها من البيئة التي عاش فيها، ونمطية التربية التي تربى عليها، مضيفاً: «في وقتنا الحالي نلاحظ تعلق الشباب والأزواج بالتقنية الحديثة كثيراً، حتى أنّ بعضهم لا يعمل شيئاً بجلوسه بالمنزل سوى تصفح مواقع الإنترنت، وأحياناً يكون مشغولا بعالمه الافتراضي عن حياته الخاصة، وهذا ما يطلق عليه البيتوتية السلبية، وذلك لأنّه يعتبر شريكاً بالاسم ومع وقف التنفيذ»، مشيراً إلى أنّ هناك عدة أسباب تجعل الرجل لايحب الخروج؛ إمّا لأنّه إنطوائي، أو لأسباب اقتصادية، لكونه لا يستطيع تحمل تكلفة الخروج والسهر، وهناك احتمال أن تكون التنشئة الاجتماعية هي السبب، في حين أنّ من أشكال البيتوتية السلبية عند الرجل -خاصة الكبار بالسن- هو ما بعد التقاعد، والذي يكون فيه في مرحلة «الإبصار للحياة الداخلية بالبيت»، فالذي لم يكن يركز عليه بالسابق أصبح يركز عليه، ومالم يكن يراه أصبح يبصره، فتراه زوجته قد أصبح يهتم بتفاصيل صغيرة لا يجب الالتفات إليها، وقد يخلق منها مشكلة كبيرة، ناصحاً الزوجات بالصبر ومحاولة تغيير الأسلوب المتبع بتقسيم الوقت بما يرضي الطرفين، وإعطاء الزوجة الحق في ملكية التحكم بزمام الأمور في بيتها، ولا مانع من منح الرجل القليل من الوقت للتطفل، بقدر ما يتسع له صدرها، ليتحول حضور الرجل في البيت إلى معطى إيجابي. فرصة للحوار وأوضح «د.أسامة» أنّ البيتوتية الإيجابية تكمن في مشاركة الرجل لأهل بيته اهتماماتهم سواء الزوجة أو الأولاد، خاصةً من لديه أبناء في مرحلتي المتوسط والثانوي، فمشاركتهم الاهتمامات تجعلهم كالصحبة، وتمر مرحلة المراهقة بكل يسر وسهولة على الأب والأبناء وكذلك الزوجة، فمساعدتها بأمور المنزل والاعتناء بالأطفال أثناء قضاء زياراتها أو مشاويرها، يقرب ما بينهما ويجعل مشاعرهم أقوى، مشدداً على أن لا يكون هناك إفراط ولا تفريط من الأزواج في المكوث بالمنزل، وعلى الزوجة أن لا تتصرف بأنانية وتسلط، وأن تستفيد من وجود زوجها في البيت، كفرصة للحوار والتواصل والتخطيط المشترك، بدلاً من الرفض والنفور.