إسرائيل وعلى مدى طويل وفّرت وجوداً عسكرياً له جزالة الخوف منها، خصوصاً بعد حرب عام 1967م، مع كفاءة اقتصادية أبعدتها من الفقر، وأيضاً توفّر صداقات عالمية ليست بالقليلة.. مع أنها نشأت من فراغ.. أتت باستحداث، حيث لم يكن متوقعاً أن يفرض لها وجود دولة، لكن كان التوقع أن تحظى بزمالة مواطنة أفضل مما ألحق بها من عذاب مليء بالقسوة؛ بل ووحشية التعامل.. كما حدث في أكثر من دولة أوروبية ضد اليهود فيها وبالذات في ألمانيا.. الذي حدث أنه توفّرت رعاية أوروبية في فلسطين فرضت لها وجود الدولة.. ثم سيادة الدولة.. ومع كل ما مرّ بها من تاريخ نجد أنها في الواقع لم تحاول أن تتمدد بمحاولات نشر نفوذ سياسي يجتاح الركود العربي بوجود إسرائيلي.. ما نعرفه عن إسرائيل أنها توقفت في خصومتها عند من هو متصل بحدود دولتها الجديدة.. نأتي إلى إيران فنجد أن الوضع مختلف تماماً، حيث استطاعت وعبر زمن ليس بالقصير أن امتدت لها خصومات شملت عدداً من الدول العربية القريبة من حدودها، ثم أيضاً هي لم تتوقف عند ذلك وإنما امتدت لتدخل واقع الصراعات المتنوعة ما بين الحدود اللبنانية والسورية والفلسطينية، والأسوأ من ذلك أن يوجد تحالف مع فئات نعرف أنها وجّهت منذ وقت مبكر لتكون عروبتها ملغمة بنوازع اختلاف دينية مذهبية تبرّر بها ما لها من تدخلات شرسة مع واقع عربي شامل.. ما هو مستغرب.. في الوقت ذاته.. وموضح للضياع العربي في تواجد التنافس الإيراني والإسرائيلي داخل وجود عربي وتبدو فيه إسرائيل غير مترددة عن استعمال أي تهديد يوجه مباشرة نحو إيران.. ونجد في نفس الوقت ادعاء حصانة وجود إيراني مع تحالفات غير موضوعية داخل مواقع العزلة العربية.. لماذا لم يكن هناك حضور عربي مبكر.. أو معاصر؟.. لماذا لم تكن هناك دوافع تواجد متعدد القدرات لئلا يبقى فقط في حالة عتاب لقوى أجنبية وكأنها وحدها مسؤولة عن الأمن العربي؟.. ومعروف بداهة أن تصاعد احترام الدول الكبرى لغيرها يأتي احتراماً لدول أخرى بكّرت في تنظيم جزالة قدراتها ومستويات وعيها.. إننا عندما نتأمل واقع العالم العربي نجد أن معظم دوله مشغولة أولاً بواقع مشاكلها الدموية الخاصة.. ولا أريد أن أرصد أرقام قتل في العراق وتونس وليبيا وسوريا ولبنان فهي متكررة، وأصبحت متابعتها مملة.. هذه ناحية.. نأتي إلى ناحية أخرى تخص دولاً لم تتورط بجزالة الدماء لكنها متورطة ببساطة قدرات المعيشة وبساطة وسائل العلاقات الدولية.. وفي كل ما سبق نجد أن المملكة العربية السعودية هي وحدها من انفردت بجزالة حضور دولي ومكانة تقدم عبر كل منطلقات المصالح.. ولذا فهي الدولة الوحيدة التي لاحظنا تعدّد وسائل الاتصال بينها وبين الدول الكبرى، حتى إن رئاسة روسيا ورئاسة أمريكا مارس كل منهما الاتصال برجلنا التاريخي الملك عبدالله.. وهو ما لم يحدث مع أي دولة عربية، وبالذات في ظروف بالغة الحساسية والصعوبة في شرقنا الأوسط..