الوطن العربي أو ما اصطلح عليه الغرب ب «الشرق الأوسط» هو امتداد جغرافي هائل أي أكثر من (14) مليون كيلو متر مربع، ما يجعل مساحته ضعف مساحة أوروبا وتركياوإيران، فيما سكانه يزيدون على ثلاثمئة مليون نسمة مع تنوع بيئي غني بحار وأنهار، غابات وصحارى، وموقع على ثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، أي أنه بمصطلح الاتساع الجغرافي قارة واحدة.. هذا الوطن الذي عجز عن أن يُطعم سكانه ويحمي أمنه ويتفق على أبجديات العلاقات الاقتصادية والتعاون المفتوح تعوقه السياسة التي غذت الأحقاد، ونشرت الفوضى وحولت البلد الواحد إلى جزئيات لدول «مايكروسكوبية» تقوم على المذهب والقومية والطائفة، وفي سجلنا التاريخي القريب تحررنا من العثمانية لنقع تحت سلطة الاستعمار الغربي، وحتى بعد رحيله صار المغرب بدوله فرنسياً، والمشرق أمريكياً - بريطانيآً.. مغريات التفتّت بين أجزاء هذا الوطن الكبير الذي تربطه اللغة والديانة والجغرافيا جعلته واقعاً، عملياً، بين قوتين إقليميتين إسلاميتين، وأخرى يهودية وقابلية تحالف الأضداد، تجعلها تلتقي على توزيع تركة الرجل المريض العربي، والحقائق أمامنا واضحة تماماً.. فتركيا تربطها بإيران وإسرائيل عوامل جغرافية، ومصالح اقتصادية وتنسيق سياسي، وإيران تدرك أهمية تركيا لها، فهي قنطرة عبور نفطها وغازها لأوروبا وسوق مهمة لصادراتها من النفط إلى الذهب، وقوة العمل التركية تساهم في بناء منشآت إيران المختلفة، وسلاح البلدين العسكري يوازي قوة العرب مجتمعة، وبالتالي فإذا لم يتم التنسيق مع أمريكا وأوروبا لتقاسم النفوذ في منطقتنا فهما على الأقل مركز الثقل لتحرير أهداف تلك القوى، ولذلك ليس مستغرباً أن حالة الانفراج بينهما لا تتعلق بالمصالح المشتركة، وإنما بتحديد مكانتهما كلاعبين أساسيين في محيطهما الجغرافي بما في ذلك آسيا الوسطى التي تعد منجماً ضخماً للعديد من الثروات والأسواق.. إيران متداخلة مع العراق وسورية، وتركيا تشعر أن تعميق دورها في حل إشكالات البلدين العربيين، يلتقي مع إيران أكثر من بقية الدول العربية، وهذا أمر منطقي طالما حزام الأزمات يحيط بنا من كل الاتجاهات وهذا لا يعني تهميش إسرائيل أو تحييدها، فهي متفاعلة مع الأسباب والنتائج أكثر منهما، وحتى الاتفاق حول السلاح النووي مع (5+1) يصب في صالحها، لأن عودتها للقوتين الإقليميتين يعطيها مساحة للتحرك أكثر من الماضي، وتقارب إيران - تركيا، قد يحجم الوضع الكردي ويساعد في حل الأزمة السورية، ما يضيف لهما بعداً سياسياً أكبر مع القوى الخارجية اللاعبة في المنطقة.. لا خيار للعرب، إلاّ سلوك طريق الاعتراف بالواقع، والمشاهد القريبة أعطتنا حقيقة أن هناك دولاً خليجية بادرت بالوساطة بحل المشكل الإيراني مع أمريكا، وأخرى ذهبت إلى التصالح والتعاون، وقد تسلك بقية الدول هذا الاتجاه لكن هل هناك قوة عربية متماسكة توازي الأقطاب الثلاثة المحيطة بهم؟ الأجواء والظروف والعوامل الداخلية والدولية تعطي الجواب السلبي أي أن العرب في حالة تمزق، وسيبقون بلا غطاء لأن الصدمات أقوى من العلاج.