«من زجاج الطابق الحادي عشر في الفندق الشاهق بدت الحركة تدب في شوارع تايبيه باكرا.. لم تكن الساعة قد بلغت السادسة صباحا غير ان راكبي الدراجات بدوا يغزون الطرقات يسابقون السيارات متجهين لأعمالهم في نشاط ملحوظ يعكس دأب هذا البلد الآسيوي الطموح..لا تعوز تايوان ايضا تلك اللمسة الآسيوية الفارقة التي تجمع الأصالة بالمعاصرة في مزيج فريد يجعل من جولة حرة في طرقاتها متعة خالصة من التنوع البصري والحضاري المثير.» لا يجهل التايوانيون التحديات الماثلة أمامهم كتوعك الاقتصاد العالمي وحدة التنافسية في مجالهم الإقليمي فضلا عن رواسب السياسة التي تعكر بعض علاقات الجوار، اعترافهم هذا يؤسس لرؤيتهم المستقبلية الرامية لتعزيز موقعهم ضمن نمور آسيا ومدار هذه الرؤية الانفتاح الاقتصادي والتحرير الشجاع للاقتصاد، وهذا ما شدد عليه الرئيس التايواني في خطابه بمناسبة اليوم الوطني ال102 لبلاده الشهر الماضي بتحذيره من أن الخوف من المنافسة سوف يؤدي إلى خمول الاقتصاد مؤكدا على ضرورة التحلي بالشجاعة التنافسية لخلق الرخاء الاقتصادي. مشهد ليلي في كوهسيونغ اتساقا مع هذه الرؤية أسست تايوان مناطق للاقتصاد الحر وهي مناطق ذات اقتصاد متحرر عالميا وبرؤية مستقبلية تقوم على رفع كل القيود على السلع والبضائع والمواد والصناعات والأشخاص وعلى رؤوس الأموال أيضا وتسعى تايوان باستكمالها لمقومات الانفتاح الاقتصادي الكامل لتكون منطقة تجارة حرة رائدة عالميا، وتستهدف مناطق الاقتصاد الحر الرائدة الصناعات المتميزة بقيمتها العالية والفريدة كالخدمات التسويقية الذكية والخدمات الطبية العالمية وتنمية الخدمات والأعمال الزراعية. لماذا تستثمر في تايوان؟) توفر تايوان بيئة استثنائية للاستثمار عبر باقة من المميزات التي تقدمها للمستثمرين الأجانب، ومن هذه المميزات ديناميكية الاقتصاد المفتوح والموقع الاستراتيجي في منطقة المحيط الهادي الآسيوية وريادة تايوان في صناعات التكنولوجيا المتقدمة، كما تقدم تايوان مستوى نوعياً من اليد العاملة الماهرة وبنية تحتية متكاملة، ولعل من اهم مميزات الاستثمار في تايوان وجود احد اكثر انظمة الضرائب تنافسية في آسيا، كما ان شروط الاستثمار في المناطق الحرة ميسرة للغاية؛ اذ لا يشترط وجود خبرة سابقة بالنسبة للافراد ولا يشترط تغيير نشاط او طبيعة العمل الشخصية كما يسمح للمهنيين الاجانب بالعمل بعد حصولهم على التأشيرة الخاصة بذلك، فضلا عن ان مناطق الاقتصاد الحر توفر جميع خدماتها في مكان واحد بوجود نظام موحد يتم فيه انجاز كل المعاملات الادارية المطلوبة؛ كل هذه المميزات تفتح فرصا غير محدودة لرجال الاعمال للاستثمار في تايوان. (وجوه عدة لدولة واحدة) تبدو تايوان كعقد نضيد ثقافيا وجيولوجيا واثنيا.. ففي هذه الدولة التي يستوطنها 23 مليون نسمة وتمتد على مساحة 36 الف كيلومتر تتمازح سلالات ثقافية متعددة من السكان الاصليين بالبلاد والمهاجرين من الصين الام فضلا عن ارث الاستعمار الهولندي والياباني. والى هذا المزيج الاثني تتعدد الطبائع الجيولوجية لتايوان التي تشكل الجبال ثلث مساحتها فيما تتلون المساحة الباقية من سهوب خضراء وانهار وسواحل ممتدة وجزر متناثرة..هذا التنوع منح تايوان غنى ثقافيا انعكس على تنوع الاطعمة والازياء والطرز المعمارية واللغات ونمط المعيشة، فقائمة الطعام التايوانية تتمتع بطيف واسع من المطبخ الصيني والاقليمي والدولي فضلا عن الاطباق المحلية التقليدية,ورغم غلبة الاكلات البحرية الا ان المطبخ التايواني يزخر بأنواع من المعكرونة والمعجنات واطباق الارز واللحوم. متعة التجول في تايبيه (المستقبل في كوهسيونغ) من بلدة جنوبية صغيرة تدعى داغو تسرح في سهولها الايائل، استحالت كوهسيونغ مدينة عصرية وواحدة من اكثر المدن تطلعا للمستقبل وبعثا للبهجة في تايوان، كوهسيونغ ذات الثقافة المحلية الآسرة واسلوب الحياة الحيوي اشتهرت ذات مرة بالصناعات الثقيلة غير انها تحولت أخيرا لاقتصاد المعرفة من خلال تطبيق تقنيات الغد لضمان استدامة الصناعة، و بذلت الحكومة كل ما يمكن لجعل هذه المدينة ذات المليونين وسبعمائة الف نسمة وجهة أساسية للباحثين عن الاستثمار والعيش الرغيد، حيث عملت على تحديث المرافئ وتطويرها لتصبح الأضخم والأحدث من نوعها في المنطقة، والعمل على تحويل المدينة لمركز صناعي ضخم يوفر آلاف الوظائف ليجعلها بيئة خصبة لكل الباحثين عن الاستثمار ما جعل كوهسيونغ تنعم باقتصاد قوي وحصلت مصانعها على العديد من الجوائز لكونها من بين الأفضل في العالم من حيث الحفاظ على البيئة، كما انها واحدة من بين افضل خمس مدن آسيوية في النظافة وإعادة تدوير النفايات والحرص على توفير بيئة خضراء بدون أي مخالفات صحية. تجربة مرحة في ضرب الطبول (عش مع الإيقاع في تانيان) سواء كنت شغوفا بالموسيقى و ايقاع الطبول ام لا فإن زيارة قرية ثقافة الطبل على مشارف تانيان ستمنحك تجربة ربما لم تختبرها من قبل، ستكتشف أسرارا عن عالم الايقاع، وستجد نفسك في خضم تجربة جماعية لقرع الطبول وبعد درس ميسر ستنهمك في جوقة مرتجلة من الزوار في طقس مثير للحماس والمرح، ستفاجئك مهارتك المكتسبة في خلق ايقاع محترف. توفر القرية فرصة للتعريف بالثقافة الفنية وتقع على مساحة خمس هكتارات، وتم تأسيسها بهيئتها الحالية عام 2005 وشارك في تصميمها الفنان المرموق شي هسيه ومصممون معروفون، وفي 2007 اصبحت اول قرية فنون عالمية لموسيقى الطبول في آسيا, وتشمل قاعة استقبال ومتحفا للطبول وقاعة لتجربة قرع الطبول، كما تحوي مطعما ومسرحا صغيرا يتسع ل250 شخصاً ومسرحا في الهواء الطلق يسع 1500 زائر. ناطحة السحاب 101 في تايبيه (أين تذهب) الثراء الجيولوجي لتايوان يمنح السائح خيارات عدة.. ففضلا عن سياحة المدن ثمة وجهات سياحية متنوعة من متنزهات وجبال وجزر خلابة وتنتشر على أرصفة المدن مطاعم مكشوفة للمأكولات البحرية تضع احواضا زجاجية على مداخلها تسبح فيها انواع من الاسماك والكائنات البحرية لتنتقي طبقك المفضل بنفسك وتتناوله طازجا ومن الوجهات التي تستحق الزيارة المناطق البركانية في متنزه يانغمينغشان في ضواحي تايبيه وجبل تاركو جورج الذي يطوقه نهر ليوو بمقاطعة هوالين، ومتنزه كيندينغ الوطني على الحافة الجنوبية للجزيرة، وفي متنزه اليشان ستشاهد الشروق الخلاب وتكوينات السحب الرائعة، والمنظر البديع للماء في بحيرة صن مون. لكن تجربة مختلفة تنتظرك في تايبيه الجديدة، اذ شاع فيها في السنوات الاخيرة سياحة المزارع الترفيهية التي احتفظت بالطقس الريفي البكر، هناك ستصبح "مزارعا ليومك" حيث ستعيش الحياة الريفية بتفاصيلها وستقطف الفاكهة والخضراوات وتقترب من حيوانات المزرعة، كما ستشارك في انشطة المصنوعات اليدوية وتمارسها بنفسك، وننتقل الى نشاط الصيد البحري حيث تعاين تجربة فريدة ل"الصيد بنار الكبريت" في مقاطعة جينشان، كما ستنعم مع اسرتك باجازة مبهجة في مصائد الاسماك الترفيهية حيث يستمتع الجميع بنمط حياة صحي ولحظات رائعة من الاسترخاء بعيد عن الايقاع السريع والمرهق للحياة العصرية. الدراجة تكسب كشأن كثير من الدول الآسيوية يبدو راكبو الدراجات النارية كطوفان لا ينتهي في الشوارع، وعند اشارات المرور لهم حظوة الوقوف في المقدمة امام العربات، كما ان المواقف المخصصة لهم تنافس نظيرتها المعدة للسيارات، وليست قيادة الدراجة محكومة بعمر معين، اذ تجد كثيرين من المسنين على صهوتها يمخرون طرقات المدينة. كما سيلفت انتباهك وجود عائلة صغيرة بأكملها فوق دراجة، لكن هذا امر معتاد. اما ما يستحق الاعجاب فهو الالتزام الحديدي باشارات المرور، وحتى للمشاة لن تجد من يعبر الطريق خلال الاشارة الحمراء حتى ان كان الطريق خاليا تماما، يحدث هذا حتى في طرق داخلية صغيرة وبعيدة عن عين الرقيب، سيخالجك شعور عميق بضرورة الالتزام ايضا حتى لا تخدش الصورة. (ولادة نهر) ما دمت في كوهسيونغ، فإن "نهر الحب" لابد ان يكون ضمن طقسك اليومي، هذا النهر أصبح معلما من معالم المدينة كما التايمز والسين للندن وباريس، تعكس سيرة نهر الحب دأب تايوان في اعادة صياغة الغد، إذ إن هذا النهر كان غاية في التلوث فيما مضى؛ جراء تحويل مياه الصرف ومخلفات المصانع اليه، حيث بدأت الحكومة مخططا طموحا لتنظيف النهر واعادة تشكيله الى ما هو عليه في يومنا هذا، إذ اصبح قبلة للسياح وسكان المدينة بما يوفر من اجواء حالمة ورحلات نهرية ساحرة تمخر خيالات الضوء المتموجة على سطحه، قادمة من المباني الشاهقة بجواره، وتتناثر على ضفاف نهر الحب المطاعم والمقاهي المتنوعة التي تشهد حفلات فنية وموسيقية جاذبة. أخضر أم أحمر لن يكفيك طلب (قدحا من الشاي) في تايوان للحصول على مبتغاك المعتاد، اذا لا يرقي الشاي الأحمر المستساغ تقليديا في المنطقة العربية إلى ذات المكانة في تايوان، وغالبا ستجد النادل وقد احضر لك قدحا من الشاي الاخضر الذي يعد المشروب التقليدي الاول لدى التايوانيين، وستجد نفسك مجبرا لتحديد ماهية الشاي الذي ترغب به. ويرجع عمر الشاي في تايوان بحسب روايات تاريخية الى نحو قرنين حينما تم استجلابه أول مرة الى الجزيرة، ومذاك اصبحت تايوان من المناطق التقليدية لزراعة الشاي وتصديره، سيلفت انتباهك انتشار معامل انتاج الشاي الصغيرة في تايبيه وغيرها من المدن التايوانية، وفي أي حال فان احتساء الشاي الاخضر تجربة لا يجب ان تهدرها في تايوان.