شخص وقف بسيارته عند الإشارة وأثار غضب من حوله من السيارات بتعطيله لحركة السير، حيث كان يتهدد ويتوعد أماً مع صغارها - يطلبون العون والمساعدة - إن هم لم يتركوا المكان فوراً أنه سيتصل بالمسؤولين في مكافحة التسول ليقبضوا عليهم ويحيلوهم للسجن، فأشارت إلى أبنائها إشارة تضمر فيها شراً، فهمت مقصدها فتأهبت للنفاذ بجلدي والابتعاد خشية أن ينالني نصيب من نيتها المبيتة، وما أن فتحت الإشارة خضراء حتى أعطت هي بدورها الضوء الأخضر بالهجوم، ودق جرس ساعة التنفيذ، وانهمر وابل من الحصى على سيارة ذلك الشخص من كل حدب وصوب، فولى هارباً لا يولي على أمر قد أزبد وأرعد به. هذا الرجل كان بإمكانه تفادي ذلك كله، وتحاشي وقوع هذا الموقف العصيب الذي حصل له، لو أنه أحسن التصرف مع هذه الأم، وبحث في شأنها، وتقصى عن أمرها، بالأسلوب الصحيح، والحكمة البليغة، ولين الجانب، والتلطف بالحديث، بهذه الأمور قد تتكشف له أمور تغيب عن ذهنه، وتظهر أمامه حقائق كان يجهلها عن هذا العالم. نحن للأسف الشديد يقتصر دورنا على أن ننحني لهذا المسكين أو الضعيف ونضع أيدينا في جيوبنا، ونخرج له ما تجود به أنفسنا من مال، ولربما تدافعت الأنامل تتخطى الفئات الكبيرة لتختار مكرهة أقلها قيمة وأبخسها شراء، ثم نشيح بظهورنا له غير آبهين بما يحصل بعد ذلك، وكل الذي فعلناه حقاً أننا أعطيناه مسكناً لفترة وجيزة ثم ما يلبث أن يعاود الكرة ليأتي ويطلب من جديد، وكأننا أوقعناه في إدمان من نوع آخر وهو إدمان التسول وإراقة ماء الوجه. ونقف متسائلين، نحدث أنفسنا بصراحة وبكل شفافية، هل هذا هو دورنا المناط بنا تجاههم، هل هذا الفعل هو ما تقتضيه الاخوة الإسلامية في أن يشد بعضنا من أزر بعضنا الآخر، هل هذا هو البنيان المرصوص الذي أوصت به النصوص. لم نكلف أنفسنا جهداً للبحث عما يعانونه من ظروف الحياة الصعبة، لم نكترث بما يجدونه من ويلات العوز، لم نهيئ طاقتنا لسبر أغوارهم، والاطلاع عن قرب لرؤية مشاكلهم، وايجاد حلول جذرية لسد احتياجاتهم، وتوفير مقومات البقاء العزيز، والعيش الكريم، والعمل الشريف الذي يكفل لهم الكفاف عن الإلحاف في السؤال، والعفاف عن التعرض لإهدار كرامتهم وكبريائهم.