تعرض سوق الإنتاج الغنائي في المملكة لتغيرات جذرية خلال الثلاثين سنة الأخيرة، فبعد أن كانت شركات الإنتاج تعتمد في تسويقها لمنتجاتها الغنائية على توزيع "البرشورات" والإعلان في الصحف والقنوات الفضائية، وكانت تحصد بفضلها مبيعات عالية جداً رغم قلة منافذ البيع التي كانت محصورة في محلات "التسجيلات" الغنائية، أصبحت اليوم حائرة في عملية التسويق بين استخدام وسائل الدعاية القديمة أو الاتجاه نحو الإعلان في شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. ولعل الملاحظ الآن أن الشركات باتت تطرح ألبوماتها دون تسويق واضح كما كان في السابق، حيث يتواجد الألبوم الجديد هذه الأيام على أرفف المحلات دون أن ينتبه له أحد، ودون أن يعمل الضجة التي كانت تصاحبه سابقاً، حتى لألبومات كبار النجوم. وهذا لم يكن واقع الحال في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. في تلك الأيام كانت شركات الإنتاج تنافس بعضها بشكل مثير فيما يتعلق بالتسويق، بل وكانت تعلن عن عدد مبيعاتها من منطلق خدمة منتجها ودعمه بعد طرحه في الأسواق، وأيضاً لإثبات نجومية الفنان الذي أنتجت له الألبوم وقد فعلت ذلك "الأوتار الذهبية" في الثمانينيات و"روتانا" في التسعينيات. كان ذلك الزمن مثيرا جداً بتنوع شركات الإنتاج وبتنوع النجوم وبالمنافسة الشديدة في الإنتاج والتسويق. وقتها لم يكن يبقى أحد من الجمهور لا يعرف إنتاج فنانه المفضل أولاً بأول، أما الآن فقد ماتت هذه الروح بسبب شركات الإنتاج الحالية التي تفردت في سوق الكاسيت وتناست متطلبات الفنان وأهملت تسويقه بشكل أدى إلى تراجع مبيعاته بشكل ملحوظ. في الثمانينيات كان موعد طرح الألبوم الغنائي يمثل حدثاً يستحق الاحتفاء بالنسبة للصحافة وللجمهور، وكانت المبيعات فلكية تصل في بعض الأحيان إلى المليون والنصف للألبوم الواحد، بل إن يوم طرح ألبوم كبار النجوم وقتها كان يستدعي تواجداً أمنياً عند مراكز البيع لضمان عدم وجود إشكالات بين الجمهور الكثيف، وقد حدث ذلك لألبومات طلال مداح ومحمد عبده وبعض ألبومات مزعل فرحان وغيرهم من نجوم تلك المرحلة. حالياً تُطرح ألبومات نجوم الساحة وتمر عليها أيام ولا أحد يعلم بوجودها، ومع ذلك لا تزال تصر شركات الإنتاج ونجوم الأغنية على أن ألبوماتهم ناجحة وأنها تحقق مبيعات عالية. إن أقل زيارة لأي نقطة بيع تؤكد أن المبيعات أقل بكثير مما يعلنه النجوم، فضلاً عن أن الجمهور والإعلام لا يشعر بنجاح الألبوم بل لا يشعر بتواجد الألبوم أساساً. خاصة أن الإعلان عن هذا النجاح لا يكون بالأرقام كما كان في السابق بل بشكل مبهم وعام؛ كل نجم يقول ألبومي نجح ويكتفي بهذا التأكيد رغم أن المؤشرات تنفي هذا النجاح المزعوم. شبكة الإنترنت الآن بإمكانها أن تقدم إحصائيات دقيقة لأداء الألبوم. برنامج "الآيتونز" -مثلاً- أصبح منصة لإطلاق الأغاني الجديدة ويقدم إحصاءً دقيقاً لمبيعات الفنان ومنتجه الجديد، كما أن نسبة المشاهدة والاستماع في موقع يوتيوب أو فورشيرد أو غيرها تعتبر مؤشراً في هذا الاتجاه، وعلى أي فنان يزعم بأن ألبومه نجح أن يلجأ لهذه الوسائل الجديدة. لكن الإشكال هنا أن هذه الوسائل لا يتعاطى معها حالياً إلا شريحة معينة من الجمهور لأن الغالبية لا تزال مرتبطة بوسائل الدعاية والتسويق التقليدية؛ صحف تلفزيون مجلات وبروشورات، ومن الواضح أنها باتت مهملة من قبل شركات الإنتاج. إن انحدار سوق الكاسيت وتراجع الأرقام في المبيعات مرتبط بضعف التسويق الذي افتقد المطرب وسائل تقربه أكثر للجمهور بمختلف شرائحه وتجعله في حالة ترقب وانتظار للألبوم الجديد. مزعل فرحان طلال مداح