أكثر ما يخلب لبّ الشعراء، ويشعل خيالهم إشعالاً، اجتماع الجمال مع الأصالة.. امتزاج المجد التليد في وجه امرأة فاتنة.. خاصة إذا كان ذلك المجد من صنع أجداد أولئك الشعراء، وكان جمال المرأة الباهر يعود - ولو في ظنهم - إلى أصول عربية عريقة.. أصيلة ونبيلة.. وتوحي - مع الجمال - بأمجاد تلتها أمجاد، لأمة الشاعر التي يحبها.. ويتطابق ذوقه الجمالي مع قسمات نسائها.. وبسمات فاتناتها.. ولون الشعر الفاحم كالليل يكسو البدر.. والعيون الواسعة السود كأنما تعكس ليل البادية: لم يبق في أسبانيه.. منّا ومن عصورنا الثمانيه.. غير أعين كبيرة كبيرة مازال في سوادها ينام ليل البادية.. ليس نزار وحده من قال هذا.. وفُتن بهذا.. ولكن أكثر من شاعر طار مع ذلك الخيال.. ومزج المجد والأصل العربي مع ذلك الجمال.. جمال كل أسبانية ذات شعر كالليل.. ووجه كالبدر.. وعيون تومض بالذكاء.. ويذوب في نظراتها الشهد.. عمر أبوريشة طار مع ذلك الخيال.. وعبدالله التميمي (لويحان).. وأحمد الناصر.. وناصر القحطاني.. وغيرهم بالفصيح.. والشعبي.. لازالوا يحنون للمجد التليد.. ويذوبون مع الجمال العربي.. ويرونه في عيون حفيدات الأندلس.. وفي خطرات ولاّدة بنت المستكفي التي ظلت رمزاً عالمياً للجمال والدلال.. وطارت بها قصائد ابن زيدون في سماوات الحب.. والوجد.. والهيام.. سفيرة لهجة طلت على الدنيا قصايدها على البال ابن زيدون وغراميات ولاده كما يقول شاعرنا الشعبي (ناصر القحطاني) في قصيدة طويلة جميلة عن الفردوس المفقود.. وكما يندب نزار مجد الجمال والانتصار الذي يراه متناثراً كشظايا ألماس هنا.. وهناك: لم يبق من قرطبة.. سوى دموع المئذنات الباكية.. سوى عبير الورد.. والنارنج.. والأضالية.. لم يبق من ولاَّدة ومن حكايا حبها.. قافية.. ولا بقايا قافيه.. لم يبق من غرناطة ومن بني الأحمر.. إلاَّ ما يقول الراويه.. وغير (لا غالب إلا الله) تلقاك بكل زاوية.. لم يبق إلا قصرهم.. كامرأة من الرخام ساهية تعيش - لازالت - على قصة حب ماضية.. وبقيت أخيلة الشعراء تشتعل اشتعالاً كلما رأت امرأة أسبانية عربية الملامح يضيء في قسماتها الجمال العربي: في وجنتيها روضة والنار ذات اللهب وعنق ممرد كالعاج حرُّ الحسب صبية ما جاوزت والحب مازال صبي هذا جمال عربي صلوا على روح النبي وأكثر ما يثير الوجدان والخيال، أن يدور الحوار بين شاعر توّاق وأسبانية جميلة ذات ملامح عربية أصيلة.. وهو ما نجده في شعر عمر أبوريشة ونزار وأحمد الناصر.. يقول الأول وقد جلست بجانبه في الطائرة: وثبت تستقرب النجم مجالا وتهادت تسحب الذيل اختيالا وحيالي غادة تلعب في شعرها المائج غنجا ودلالا طلعة ريا وشيء باهر أجمال؟ جلّ أن يسمى جمالا..! فتبسمت لها فابتسمت وأجالت في ألحاظاً كسالى وتجاذبنا الأحاديث فما انخفضت حساً ولا سفت خيالا كل حرف زلّ عن مرشفها نثر الطيب يميناً وشمالاً قلت: يا حسناء من أنتِ ومن أي دوح أفرع الغصن وطالا؟! فرنت شامخة أحسبها فوق أنساب البرايا تتعالى وأجابت أنا من أندلس جنّة الدنيا سهولاً وجبالا وجدودي ألمحُ الدهرَ على ذكرهم يطوي جناحيه جلالا بوركت صحراؤهم كم زخرت بالمروءات رياحاً ورمالا هؤلاء الصِّيد قومي فانتسب إن تجد أكرم من قومي رجالا؟ أطرق القلب وغامت أعيني برؤاها وتجاهلتُ السؤالا! وللثاني من قصيدة طويلة جميلة: (في مدخل (الحمراء) كان لقاؤنا ما أطيب اللقياء بلا ميعاد عينان سوداوان في حجريهما تتوالد الأبعاد من أبعاد هل أنتِ أسبانية؟ ساءلتها قالت: وفي غرناطة ميلادي قالت: هنا (الحمراء) زهو جدودنا فاقرأ على جدرانها أمجادي أمجادها؟! ومسحت جرحاً نازفاً ومسحت جرحاً ثانياً بفؤادي) ولشاعرنا الكبير أحمد الناصر: لقيت مخلوق لا هندي ولا مغربي من شوفته ما لقيت إلا السهر والتعب اللبس لبس اجنبي والدم دم العرب زوال ليا شافه الشايب يعود صبي! أمكمل بالجمال وبالحسب والنسب قلت: السلام، وتبسم وقال وش تبي؟ واليا تقربت من زين الحلايا هرب واقول عطني الصراحه وانت أبو ماتبي قلت ارحمي من طواه الهم وأنتِ السبب قالت لعله يطاولك السهر بسببي! قلت أنتِ من السويد أهل الفرح والطرب قالت بلاد العروبة رغبتي وطلبي نزار عمر أبوريشة لويحان أحمد الناصر