لي صاحب أعتز بصحبته وصداقته وهو مدرس تاريخ جمعني به نقاش عن تاريخ الحضارة الإسلامية فأعطاني مثالا لها (الأندلس) وأسهب في الحديث عن الحضارة الإسلامية في تلك البقعة من العالم أثناء حكم المسلمين لها سبعة قرون من الزمن أو تزيد قليلا تعرض فيه لمعالم حضارية وأعلام منهم طارق بن زياد وعبد الرحمن الداخل كقيادات مؤسسة لتلك الحضارة ثم تحدث عن أعلام العلوم والثقافة في ذلك العصر وذكر منهم الباجي وابن وضاح وابن عبد البر وابن رشد وزرياب والكثير الكثير ممن تركوا إرثا ثقافيا هائلا للبشرية . أما عن المعالم فذكر قصر الحمراء وطواحين الهواء و نافورات الأسود وغيرها قلت له يا صاحبي ذاك زمان ولى وتولى فالرجال الذين صنعوا تلك الحضارت قد صاروا تحت التراب وماتت الهمم معهم والعزائم ولم يبق على ظهر البسيطة إلا أصحاب أضعف الإيمان وأنت منهم ممن لمحوا بالشعر أو الكلمات من أجل استنهاض همة المسلمين من جد يد لتحقيق التقدم الحضاري فذاك نزار يتغزل في الجميلة الأسبانية ليذكر المسلمين بنسلهم هناك رغم أن الأثر الباقي لم يذكرهم فيقول سيد الشعر نزار قباني في قصيدته الشهيرة غرناطة : في مدخل الحمراء كان لقاؤنا=ما أطيب اللقيا بلا ميعاد عينان سوداوان في حجريهما=تتوالد الأبعاد من أبعاد هل أنت إسبانية ؟ ساءلتها=قالت: وفي غرناطة ميلادي غرناطة؟ وصحت قرون سبعة=في تينك العينين.. بعد رقاد وأمية راياتها مرفوعة=وجيادها موصولة بجياد ما أغرب التاريخ كيف أعادني=لحفيدة سمراء من أحفادي وجه دمشقي رأيت خلاله=أجفان بلقيس وجيد سعاد ورأيت منزلنا القديم وحجرة=كانت بها أمي تمد وسادي والياسمينة رصعت بنجومها=والبركة الذهبية الإنشاد ودمشق، أين تكون؟ قلت ترينها=في شعرك المنساب ..نهر سواد في وجهك العربي، في الثغر الذي=ما زال مختزناً شموس بلادي في طيب "جنات العريف" ومائها=في الفل، في الريحان، في الكباد سارت معي.. والشعر يلهث خلفها=كسنابل تركت بغير حصاد يتألق القرط الطويل بجيدها=مثل الشموع بليلة الميلاد.. ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي=وورائي التاريخ كوم رماد الزخرفات.. أكاد أسمع نبضها=والزركشات على السقوف تنادي قالت: هنا "الحمراء" زهو جدودنا=فاقرأ على جدرانها أمجادي أمجادها؟ ومسحت جرحاً نازفاً=ومسحت جرحاً ثانياً بفؤادي يا ليت وارثتي الجميلة أدركت=أن الذين عنتهم أجدادي عانقت فيها عندما ودعتها=رجلاً يسمى "طارق بن زياد وكذلك سفير الشعر وراسم لوحاته البديعة عمر أبو ريشة عندما أحبطته مضيفة الطيران الأسبانية حيث قال : وثبتْ تَستقربُ النجم مجالا=وتهادتْ تسحبُ الذيلَ اختيالا وحِيالي غادةٌ تلعب في=شعرها المائجِ غُنجًا ودلالا طلعةٌ ريّا وشيءٌ باهرٌ=أجمالٌ ؟ جَلَّ أن يسمى جمالا فتبسمتُ لها فابتسمتْ =وأجالتْ فيَّ ألحاظًا كُسالى وتجاذبنا الأحاديث فما=انخفضت حِسًا ولا سَفَّتْ خيالا كلُّ حرفٍ زلّ عن مَرْشَفِها=نثر الطِّيبَ يميناً وشمالا قلتُ يا حسناءُ مَن أنتِ ومِن=أيّ دوحٍ أفرع الغصن وطالا ؟ فَرَنت شامخةً أحسبها=فوق أنساب البرايا تتعالى وأجابتْ : أنا من أندلسٍ=جنةِ الدنيا سهولاً وجبالا وجدودي ، ألمح الدهرُ على=ذكرهم يطوي جناحيه جلالا بوركتْ صحراؤهم كم زخرتْ=بالمروءات رِياحاً ورمالا حملوا الشرقَ سناءً وسنى=وتخطوا ملعب الغرب نِضالا فنما المجدُ على آثارهم=وتحدى ، بعد ما زالوا الزوالا هؤلاء الصِّيد قومي فانتسبْ=إن تجد أكرمَ من قومي رجالا أطرق الطرفُ ، وغامتْ أعيني=برؤاها ، وتجاهلتُ السؤالا وغيرهم الكثير من الكتّاب وأصحاب أضعف الإيمان فأصابهم الإحباط لأن القوم لم يستطيعوا أن يفهموا ماقالوه لهم حتى يسعوا لبناء حضارة تشابه شيئا من حضارات أسلافهم بل فهموا أن تلك الكلمات توحي بالمجون وهي رقيا للفواحش وقتلوا خلايا التفكير في الأجيال القادمة بالجمود الفكري وتوجيه طاقاتهم نحو سفاسف الأمور كاحتراف الرياضة وعرض الأزياء والنوق وليتهم نجحوا فيها . عندها سألني : كيف لو بقيت الأندلس حاضرة إسلامية حتى اليوم؟؟ قلت لصاحبي : سيحرق أهلها أنفسهم من يأسهم وقنوطهم وسوء حالهم وستكون حضارتهم الحاضرة في مستوى تونس والمغرب والجزائر وبقية بلدان العرب؛؛؛